في يومها العالمي لحقوقها .. قراءة في البند 15 من إعلان ومنهاج عمل “بيكن” للنهوض بالمرأة
العمل من أجل المساواة والتنمية والسلام
شعار المؤتمر العالمي الرابع للمرأة ببكين منذ عقدين ونيف، حيث تم الإعلان عن منهاج عمل غطى اثني عشر مجالا من بينها قضايا المرأة والطفلة، واعتُبر “الاتفاق الأكثر شمولاً بين الحكومات حول ما ينبغي القيام به لتمكين المرأة والإحقاق لحقوقها والمساواة بينها وبين الرجل”
قراءة أولية
لهذا الشعار؛ تدفعنا دفعا، كمتابعات مسلمات للأحداث، لهن مرجعية يحتكمن إليها،
وضوابط تلزمهن بعدم الانسياق خلف كل ما يروج له على أنه في صالح المرأة، إلى
الاطلاع على بنود المنهاج لأجل تحرير بعض المصطلحات، ومن تم عرضها على المرجعية
الثابتة لأجل فهم المساواة المقصودة،
وتحديد معناها بدقة.
وهكذا نجد في البند الخامس عشر
“أن المساواة
في الحقوق، والفرص، والوصول إلى الموارد، وتقاسم الرجل والمرأة المسئوليات عن الأسرة
بالتساوي، والشراكة المنسجمة بينهما أمور حاسمة لرفاهيتهما ورفاهية أسرتهما وكذلك لتدعيم
الديمقراطية”
فالمساواة المبتغاة إذن تشمل الحقوق والفرص، وتجعل المسئوليات الأسرية متقاسمة مناصفة بين الرجل والمرأة. بل جُعلت هذه المساواة من جهة؛ سببا مباشرا في تحقيق سعادتهما وسعادة أسرتهما، ومن جهة وسيلة لخدمة أجندات الديموقراطية، ومعيارا تحتكم إليه لقياس فاعليتها وتقدمها.
إن كنا نتفق مبدئيا
على ضرورة العمل، يدا في يد، رجالا ونساء، لأجل تحقيق التنمية والسلام، ولأجل
تمكين المرأة وإحقاق حقوقها، وإن كان هذا أيضا لا يخلو من ضرورة الاحتكام فيه إلى
المرجعية الإسلامية، وتحديد ما يدخل بالضرورة في حقوق المرأة، وما لا يمكن اعتباره
حقا، وما الفرص المتاحة لها والتي لا
تصادم طبيعتها ودورها، وما يقصد بالتمكين الذي لا يجب بحال أن يرادف الندية أو
العراكية، فما الذي من الممكن
أن تقدمه المساواة في ملفات المرأة الشائكة وقضاياها المتشعبة من حلول هي أحوج ما
تكون فيها إلى العدل المنصف لا إلى المساواة المجحفة؟ بل إلى الفضل في مواقف؛
العدل فيها، ويا للمفارقة، إن لم يكن إجحافا، فأقل ما يقال عنه أنه لم يتكيف مع
خصوصية طبيعة المرأة.
كيف علينا أن نفهم هذه العلاقة بين المساواة
والعدل؟
رياضيا، تعني المساواة علاقة نسبة بين
عنصرين، وهو ما يسمى بالمتساوية الرياضية. هذه النسبة التي تجعل طرفي المعادلة
يخضعان لتساو معنوي مجرد. لكن حسيا، فنحن لا نعلم، حينما نقول 1=1 علام يعود الرقم
1 ، وبالتالي فلا يمكننا التسليم، في الحديث عن مساواة المرأة بالرجل، بتساو غير سالم من فوارق طبيعية. الشيء الذي
يدفعنا إلى مقاربة الأمر من خلال تقايس هندسي، ونضرب على ذلك مثالا؛ فمساحة مثلث
قد تقايس مساحة مربع أو مستطيل، ولا يمكننا الحديث في هذه الحالة عن تساو بينهم،
لأن الأشكال متباينة، فنتحدث عن تقايس. بل لا يمكننا أصلا الحديث عن تقايس مطلق،
وإنما هذه المقاربة هي مقارنة من خلال المساحة فقط والتي تتمايز عن حساب ما سواها
كالمحيط.
إن الحديث عن مساواة المرأة بالرجل حق يقصد
به باطل، وتسوية مآلها الظلم والإجحاف، بل منطقيا هو من باب طلب تسوية المتغايرات
والمتقابلات، كمن يحاول مساواة الليل بالنهار، والأبيض بالأسود، ويحاول أن يساوي
مساحة مثلث بمربع. ولعل الإنصاف هنا لا يقتضي أن نلغي الفوارق، وأن نلزم طرفا بما
يلزم الآخر، وأن نجعل المساواة مرادفة للعدل، وإنما يقتضي مراعاة أحوال كل طرف،
وتوزيع مهامه من خلال العدل لا من خلال التسوية. بل حتى هذا العدل، في إطار
تطبيقه، يجب أن يراعي خصوصية الأطراف، وتفرد كل واحد منهما بما فطر عليه. وهذا ما
لم تغفله الشريعة السمحاء. فدين
يبني أحكامه الشرعية على علَّةٍ دفعت إلى التشريع، وحكمة مقصودة أو متغياة، سواء
ارتبطت العلة بالحكمة أو استقلتا؛ لا يمكن أن يستثني من ذلك حُكما دونا عن باقي
الأحكام، ولا يمكن أن يغفل عن هذا التباين بين الرجل والمرأة فيخصص طرفا دون الآخر
بما يجب تخصيصه من الأحكام، ويجمع بينهما فيما يجمع فيه، ويراعي في كل حكم
أحوالهما، سواء في العقوبات الزجرية، أم في الأحكام التكليفية وغيرها.
صحيح أن الحركة النسوية المعاصرة قد أحرزت
تقدما في المجال الحقوقي بمعيار الأجندات المخططة لها، فاستطاعت بعد جهد جهيد
تحقيق جل المطالب التي شكلت لعقود هاجسها في المساواة المختزلة رأسا في اللحاق
بركب الرجل، وتقلد المهمات التي كانت حصرا عليه، فكانت ملزمة؛ للتقدم أكثر في ساحة
معركتها، وللإحراز على مزيد “نجاح”؛ أن توسع دائرة نفوذها من جهة، فتصل
إلى كل فئات النساء على تفاوت قدراتهن وتباين اهتماماتهن، وأن تستمر في وهمها
اللذيذ بأن برامجها تحقق لهن جميعا، بشكل قطعي، وعلى قدم المساواة، مطالبهن، في
حين أن أجندتها على الحقيقة لا تمت بصلة إلى الرغبات الأصيلة عند النساء، ولا تمثل
في مجملها حقيقة اهتماماتهن وتطلعاتهن. فزجت بالنساء في سوق الشغل دون أدنى مراعاة
لخصوصيتهن الفيسيولوجية وطبيعتهن النفسية، وحرضتهن، في إطار رفض النمطية السائدة،
ضد أدوار الأمومة والزوجية، حتى أصبح كل عدائهن منكبا على الأسرة التقليدية،
وأشغلتهن بتنميط جديد مرتبط في الأساس بالاستهلاك، وعملت جاهدة على الإطاحة بالقيم
والمثل العليا، ورفعت من قيمة تحقيق الذات واحترام التفرد الذاتي والهوية الخاصة،
حتى صار كل هم الفتاة كيف تثبت ذاتها دون فهم حقيقي لمعاني الهوية، ودون تحرير
لمعاني تحقيق الذات في غياب ضوابط وقواعد عقلانية تهيئها لفهم ما تريده، وللتفرقة
بين ما يلزمها وما لا يلزمها، وبين الواجب والأوجب، وقبلها بين الحلال والحرام.
عود على بدء؛ صحيح أنها بلغة الأرقام، وبمعاييرها الخاصة قد أنجزت، وقد تقدمت في ساحة
معركتها، إلا أنها، رغم كل ما تطالعنا به من إحرازات، وما تشنف به آذاننا من
إنجازات، تبقى ضحية نجاحها، وفريسة مخططاتها وبرامجها، فتوسيع النفوذ هذا يؤدي من
بين ما يؤديه من أدوار؛ إلى بيع الأوهام، والبرمجة الاختيارية، ونشر الأفكار
الخاطئة والتي بدورها تؤز على اختيارات خاطئة، بحيث تفتح جميع الاحتمالات أمام
النساء دون قدرة حقيقية على إمدادهن بآليات لاتخاذ القرار الصحيح، ولترتيب
الأولويات. وجعل كل رشقها؛ كيف تكون مساوية للرجل شبرا بشبر وذراعا بذراع حذو
القذة بالقذة، فسقطت في فخاخ صنعتها بنفسها، وانشغلت بالتهام نفسها كأفعى، وهي
تنهب من الرجل أدواره، وتعتنق أفكاره، وتنافسه فيما يفترض أنه محض فطرته وطبيعته؛
عن المطالبة بحقها الحقيقي في الإنصاف والعدل، ولم تترك منفذا لإشراقة الفضل، ذاك
الذي يعفيهما معا من التوقد الدائم لأجل استيفاء الحقوق.
سجل تفاعلك مع المقال
تم تسجيل تفاعلكم مع "في غياب الفضل .. مساواة أم إنصاف؟"
قبل بضع ثوان
التعليقات
إن المساواة بين الرجل والمرأة ،قد يختلف مفهومه بين تصبو اليه المرأة الغربية وما تتطلع إلى تحقيقه المرأة المسلمة في الاوطان العربية ،هل انقضت قضية تفضيل الاولاد على البنات في تلك المجتمعات ، ألا ينظر الى المرأة انها ناقصة عقل ،ألا ينظر إلى المرأة انها آلة متعة للرجل لإشباع غرائزه بينما لا يبالي بمشاعر زوجته على انها شريكته ولها مثل الذي عليها ،ألا يرى الرجل أنه السيد و هو أفضل من المرأة ،للاسف إن ذهنية الرجل في مجتمعاتنا لازالت تنظر إلى المرأة نظرة دونية وتتحمل المرأة جزء كبيرا من هذا فهي شريكة الرجل في تربية النشء وهي من تزرع أفكار الدونية عنها حينما تفرح بولادة الولد وتحزن لولادة الانثى ،هي من تعلم الولد أنه ينبغي أن يكون قويا ولا يبكي كالبنات …
إن قضية مساواة المرأة بالرجل أعمق من ان تحصر في الحق في العمل وارتقاء المناصب أو استقلال الذمة المالية للمرأة عن الرجل أو قيادة السيارة او الحق في الانتخاب ،ان المجتمعات الذكورية تتجاهل قول رسولنا وسيدنا محمد عليه وعلى آله أزكى الصلوات إنما النساء شقائق الرجال، انهم يتجاهلون قوله خيركم خيركم لاهله وانا خيركم لاهلي انهم يتجاهلون قوله ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم ،انهم يتجاهلون قوله رفقا بالقوارير وتلك كانت آخر وصاياه ،انهم يحفظون ناقصات ويحفظون ،الرجال قوامون ويحفظون مثنى وثلاث ورباع ،انهم يحفظون إذا باتت المرأة وزوجها غضبان ،وأضافوا الى ذلك لو كان السجود لغير الله…
إنهم ينتقون ما يحفظون وما يلقنون
إن المرأة مثلها مثل الرجل ترغب وتحس وتتألم وهي إن أطاعت زوجها فلأن الله أمرها وقال …جعل بينكم مودة ورحمة ،وهي إن تزوج عليها تصبر وتحتسب الاجر عند الله فالحكمة من ذلك يعلمها الله وليس معنى هدا انها لا تحس ولا تتألم في مشاركتها أخرى لزوجها تماما كما يغير الزوج أن ينظر آخر لزوجته ،وناقصات عقل لان عاطفتها تسبق عقلها في بعض الامور المتعلقة بها وأولادها ولا يعني بحال من الاحوال أن متخلفة مقارنة بالرجل والقوامة في الانفاق من جانب الرجل فلانه حباه الله بالقوة الجسدية بينما حبى المرأة بالقدرة على الحمل والولادة ..
فبالنهاية ان قضية المساواة هي قضية مساواة في عدم التفريق في الذات البشرية بين المرأة والرجل أما قضية تقسيم المهام فذلك شيء آخر ولا يسع المجال للتفصيل في ذلك.
اذا انت تقول ان المرأة مساوية للرجل رغما عن كل الفوارق.. لم يقل احد ان المرأة ليست بشرية.. هناك خلط عجيب لديكم انت تقول ان المرأة مثل الرجل تحس وتتالم.. نعم ومن قال عكس ذلك؟ ولكن هذا (تشاركهم في بعض الصفات والعواطف) لا يعني تساويهم في كل شيء وتفاعلهم بنفس الدرجة.. بل بالعكس نحن نعيش الواقع لا احلام اليقظة ونرى من الفوارق ما لا يعد ولا يحصى بين المرأة والرجل.. اذا كان لديك (ولن يوجد لديك ابدا) ما يثبت مساواة الرجل بالمرأة غير عاطفتك الامعية للغرب فهاته غير ذلك يبقى كلامك كلام سفسطائي مرسل ولا معنى له.. هات برهانك على قيمك اولا.
قال تعالى: ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) قال ابن كثير: أي : أسوأ حالا من الأنعام السارحة ، فإن تلك تعقل ما خلقت له ، وهؤلاء خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له ، وهم يعبدون غيره ويشركون به ، مع قيام الحجة عليهم ، وإرسال الرسل إليهم .