القدوة الشبابية
لا يختلف اثنان أن من أهم المحركات للإنسان نحو العمل الصالح ومعالي الأمور هو وجود "قدوة حسنة" ماثلة أمام عينيه، يهتدي بهديها ويستن بسنتها.
اختيار المواضيع
لا يختلف اثنان أن من أهم المحركات للإنسان نحو العمل الصالح ومعالي الأمور هو وجود "قدوة حسنة" ماثلة أمام عينيه، يهتدي بهديها ويستن بسنتها.
متى نجد إبداعا ذاتيا، ينبع من تاريخ الأمة وهويتها وثقافتها، ويعالج واقع الناس بما يحمله من حمولة رسالية، بعيدة عن أهواء الغرب، ورغبات السوق؟
ذلك أن من كان يؤمن باليوم الآخر وما فيه من المواقف الصعبة والمهولة، سهل عليه فعل الخيرات وترك المنكرات..
وزاد الطين بلةً غياب وتغييب المشايخ الصادقين الذين كتب الله لهم القبول والرفعة في نفوس الناس، وذلك إما بسجنهم أو محاربتهم أو إسكاتهم، فخلتْ الساحة الإعلامية تقريباً لمشايخ السلطة الذين يتوجس منهم العامة قبل الخاصة..
فهؤلاء هم أسلاف من يدعو اليوم إلى رفع التجريم عن كل العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، من شذوذ وزنى، محصن وغير محصن، فعُلم أن هذه الدعوة ليست جديدة، فقد سبقهم المزدكية إلى الفسوق والإباحية، وإلى الفجور والفوضوية، وإلى الفساد والشهوانية..
إن العاقل ليحار عندما يمعن النظر في حال أمتنا، و إن باغي الإصلاح ليقف مشدوها من أين يبدأ و كيف يتصرف، أالأخلاق، أم المفاهيم و الثوابت، أم العدو المتربص بل المدمر المخرب...
شيء واحد يسمعه الإنسان ألف مرة، وفي كل مرة يأبى أن يقبله، ولكن يأتي عليه حين ينفتح فيه قلبه المغلق دفعة واحدة لذلك الشيء نفسه، فبينما كان هو لا يجتاز أذنيه من قبل، إذا به الآن ينفذ إلى أعماق قلبه.
القياس السليم عنده هو أن يُرَكِّبَ الفقيه مغزى اتجاهات سيرة الشريعة الأولى، المتمثلة في النصوص الخالدة، ويحاولَ في ضوء هذه الكليات توجيه الحياة الحاضرة، مع تجريدها عن وقائع الأعيان..
هذه بذرة مشروع في تدبير الاختلاف، بذرة مشروع حري بالدراسة والنظر والتأمل والتدبر؛ لأن القرآن الكريم وضع أسس التعامل مع المخالفين كيفما كانوا: سواء من داخل البيت المسلم أو من خارجه..
تعتبر الربوبية فلسفة عدمية عقيمة، فهي لا تعطي إجابات شافية عن الأسئلة الوجودية الكبرى الملحة لكل إنسان على وجه الأرض، وقد رد القرآن الكريم على القائلين بمثل هذه المقالة (عبثية الخلق)..
الحمد لله وكفى …
لا يختلف اثنان أن من أهم المحركات للإنسان نحو العمل الصالح ومعالي الأمور هو وجود “قدوة حسنة” ماثلة أمام عينيه، يهتدي بهديها ويستن بسنتها.
وقد أكدّ القرآن الكريم على هذا في غير ما موضع، فتارة يأمرنا بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتارة يسرد لنا جملة من الأنبياء والصالحين لنقتدي بهم، بل وجدنا القرآن يأمر نبينا صراحة بأن يقتدي بالأنبياء من قبله.
ولا كلام الآن أن القدوة العليا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ثم الصحابة من بعده، ثم سيل من الأئمة والصالحين، الذين يقتدى بهم في الجملة.
الإشكال الآن: أن كثيراً من الشباب حين يحاول أن يقتدي بمن قبله من السلف يجد صعوبة في تحقيق ذلك، وربما شعر أنه ضرب من المستحيل والخيال.
وبيان ذلك أنه حين يقال للشاب اقتدِ بنبيك صلى الله عليه وسلم في كل أموره – إلا ما كان من خصائصه الشريفة – فإنه سيجد نفسه كالقزم الواقف تحت أصل جبل شامخ، فسيقول : ذاك نبي، وأنا مسكين.
وإذا ذُكر له الصحابة: قال أولئك تلاميذه وخواصه!
وإذا ذكر له جماعات من الأئمة من بعدهم: قال (تلك أمة قد خلت) وزماننا ليس كزمانهم.
وهكذا…
إلى أن يستدير الزمان ويصل إلى العصر الحالي.
والقدوات فيه على نوعين.
النوع الأول: الكهول: فإن عصرنا الحاضر –بحمد الله– يزخر بجملة طيبة من العلماء والصالحين الذين يقتدى بهم في العلم والعمل، سواء كانوا من الأموات أم الأحياء.
ولكن ما أن يرد ذكر أحدهم أمام شاب من هذا الجيل إلا قال (هذا رجل قد بلغ من الكبر عتياً، وزمانه وأفكاره واهتماماته تختلف جداً عني، فزماني أنا هو زمان “وسائل التواصل الاجتماعي”، والمغريات التي أتعرض لها أنا من الشبهات والشهوات لم يمر عشر معشارها على جيل الكهول من قبلي) وبهذا الكلام لم يبقَ لنا إلا النوع الثاني والأخير، وهو محل الدراسة في هذه المقالة.
النوع الثاني: القدوة الشبابية الحية.
هذا النوع من القدوات هو من أخطر الأنواع، وقد لاحظت أن الشباب يتأثرون جداً بهذا النوع، فلو تأملت – مثلاً – حين يبرز شاب ناجح في مجال التجارة أو غيرها، تجد أن تأثر الشباب به، ومحاولتهم لتقليده أشد مما لو كان هذا الراجل “الناجح” في مجاله كهلاً من الكهول.
وقلْ مثل هذا حين يرون شاباً قد فتح الله عليه في العلوم الشرعية أو اللغوية أو العقلية وهلم جراً.
ولو أنه نشر تجربةَ نجاح له في مجال من المجالات، سواء على شكل “فيديو” أو “كتاب” أو غيرها = لوجدتَ إقبالاً كبيراً عليه، لا سيما إذا زكّى عملَ هذا الشاب كهولٌ من الكهول الراسخين في ذاك العلم.
وهذا الأمر في الحقيقة يجعلنا نقف ونتساءل، لماذا؟
لماذا هذا النموذج الشبابي مؤثر جداً؟
هناك عدة أسباب.
منها: أن صاحبنا ذاك الذي كان يتعلل بعلةٍ كلما ذكرنا له نموذجاً عظيماً للاقتداء من السلف، لن يجد شيئاً الآن يتعلل به، أو يعتذر به، فهذا الشاب مثلك من كل وجه، زماناً ومكاناً وتعرضاً للمغريات والملهيات الخ، لا يختلف عنك في شيء قط، ومع ذلك وصل إلى هذه المكانة التي تراها، فما أنت قائلٌ الآن؟ فحينئذٍ يكون تأثر القدوة الشبابية قوياً ومؤثراً عليه.
ومنها:
أنّ كثيراً من الشباب بات يرى أن جيل الكهول لم يعد يستوعب هموم الجيل، ولا مشكلاتهم الفكرية والعقدية وقلْ ما شئتَ، فلذلك حين يرون أحداً من نموذج “القدوة الشبابية” قد بذل نفسه للإجابة عن تساؤلاتهم وهمومهم فإنهم يميلون إليه ربما أكثر من غيره.
حين نشرت كتابي (مدارج النحو) عام 2019م الذي حكيت فيه تجربتي في تعلم النحو وتعليمه، ما كنت أحسب أن الكتاب سيحظى بهذا الانتشار الذي حظيه، وذلك لعدة أسباب:
منها: أن تجربتي قصيرة، فهي عشر سنوات تقريباً، وإنما قلت إنها قليلة لأننا رأينا من العلماء من يقضي العقود الطويلة في تعليم العلم الواحد، ثم ينشر تجربته.
ومنها: أني لم آتِ فيه بجديد، فالمنهج الذي وضعته فيه متداول ومشهور.
ولكني فكرتُ في الأمر، فتبين لي أن سبب حرص الشباب على قراءة تجربة متواضعة مثل تجربتي هو ما ذكرته أعلاه من شدة تأثير النموذج الشبابي على الشباب أنفسهم.
فالعسر والتعثر والتخبط الذي يعاني منه الشباب في بداية دراسة النحو قد مر بي مثله تماماً، فيبعث هذا في الشاب روح الأمل والتفاؤل.
وما ذكرته عن “النحو” يصدق على جميع العلوم والمعارف فقس عليه.
وهنا إضاءات أخيرة سريعة حول “القدوات” تكون فذلكة لما مرّ ذكره:
اللهم اجعلنا من الهداة المهتدين غير ضالين ولا مضلين …
التعليقات