الإيمان باليوم الآخر في حياة المسلم
ذلك أن من كان يؤمن باليوم الآخر وما فيه من المواقف الصعبة والمهولة، سهل عليه فعل الخيرات وترك المنكرات..
اختيار المواضيع
ذلك أن من كان يؤمن باليوم الآخر وما فيه من المواقف الصعبة والمهولة، سهل عليه فعل الخيرات وترك المنكرات..
وزاد الطين بلةً غياب وتغييب المشايخ الصادقين الذين كتب الله لهم القبول والرفعة في نفوس الناس، وذلك إما بسجنهم أو محاربتهم أو إسكاتهم، فخلتْ الساحة الإعلامية تقريباً لمشايخ السلطة الذين يتوجس منهم العامة قبل الخاصة..
فهؤلاء هم أسلاف من يدعو اليوم إلى رفع التجريم عن كل العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، من شذوذ وزنى، محصن وغير محصن، فعُلم أن هذه الدعوة ليست جديدة، فقد سبقهم المزدكية إلى الفسوق والإباحية، وإلى الفجور والفوضوية، وإلى الفساد والشهوانية..
إن العاقل ليحار عندما يمعن النظر في حال أمتنا، و إن باغي الإصلاح ليقف مشدوها من أين يبدأ و كيف يتصرف، أالأخلاق، أم المفاهيم و الثوابت، أم العدو المتربص بل المدمر المخرب...
شيء واحد يسمعه الإنسان ألف مرة، وفي كل مرة يأبى أن يقبله، ولكن يأتي عليه حين ينفتح فيه قلبه المغلق دفعة واحدة لذلك الشيء نفسه، فبينما كان هو لا يجتاز أذنيه من قبل، إذا به الآن ينفذ إلى أعماق قلبه.
القياس السليم عنده هو أن يُرَكِّبَ الفقيه مغزى اتجاهات سيرة الشريعة الأولى، المتمثلة في النصوص الخالدة، ويحاولَ في ضوء هذه الكليات توجيه الحياة الحاضرة، مع تجريدها عن وقائع الأعيان..
هذه بذرة مشروع في تدبير الاختلاف، بذرة مشروع حري بالدراسة والنظر والتأمل والتدبر؛ لأن القرآن الكريم وضع أسس التعامل مع المخالفين كيفما كانوا: سواء من داخل البيت المسلم أو من خارجه..
تعتبر الربوبية فلسفة عدمية عقيمة، فهي لا تعطي إجابات شافية عن الأسئلة الوجودية الكبرى الملحة لكل إنسان على وجه الأرض، وقد رد القرآن الكريم على القائلين بمثل هذه المقالة (عبثية الخلق)..
الانطلاق من القرآن بتجرد عن كل ما يشوش نظرتنا وجعله منهجاً لتفسير وتوجيه معتقداتنا وسلوكاتنا هو أفضل منهج لفهم الدين فهما صحيحا، وأفضل وسيلة لتعزيز وحدة اﻷمة ونبذ فرقتها.
إنّ قضيّة الإيمان أو الإلحاد، والالتزام بمقتضياتهما في الفكر والسلوك، تستحق من العاقل ألا يتعامل معها بسذاجة لا مبالية وسطحيّة عابرة..
في حياتنا اليومية، لا نكاد نسمع الكلام عن اليوم الآخر إلا في حالات الوفيات، فيأتي من يعظ الناس ويذكرهم باليوم الآخر، أو من يدعو للمتوفى بالرحمة والمغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار.
وهذا شيء مطلوب وضروري لإيماننا بالبعث، ثم إن هذا الوعظ والتذكير يخففان على الناس ألم فقدان الأقارب والحسرة على فراقهم.
ولكن الاقتصار على تناول موضوع الآخرة في مثل هذه المناسبات فقط ينبئ عن وجود خلل في تصور الإيمان باليوم الآخر.
الإيمان باليوم الآخر أصل عظيم من أصول العقيدة الإسلامية، فهو أحد الأركان الإيمان الستة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام الذي سأله فيه عن مراتب الدين.
ويدل على عظمته وأهميته أنه قرن مع الإيمان بالله تعالى في حوالي ثلاثين موضعا من القرآن الكريم، فضلا عن كثرة أسماء هذا اليوم، ومعلوم أن العرب كانت إذا عظمت الشيء كثرت في لسانها من أسمائه، والقرآن الكريم لم يبرح معهودهم في أساليبهم، فكثرة أسمائه إذن تدل بدورها على عظمه.
وكثيرا ما نجد في القرآن الكريم آيات تقلل من شأن الدنيا وتحذر من الإقبال عليها على حساب الآخرة، من ذلك قوله تعالى “أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُون” (البقرة:86). وقوله تعالى: “فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور” (آل عمران:185).وأيضا: “ومَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون” (العنكبوت:64).قال القرطبي: الحيوان أي دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا موت فيها. وغيرها كثير.
فإذا علم هذا كان لا بد من استحضار هذا الركن بشكل أوسع مما عليه الناس اليوم في محادثاتهم وحواراتهم.ولا أقصد أن نتناوله بشكل سلبي يقطع الناس عن السعي في الدنيا، بل بشكل إيجابي يحفز على العمل ويشحذ الهمم.
وهو منهج قرآني، فكثير من الأفعال التي نهى الله تعالى عنها جاء بعدها التذكير باليوم الآخر، كقوله تعالى “إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر”، أو “إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر”، وهذا لدفعهم إلى اجتنابها.
كما أنه منهج نبوي، فقد كان عليه الصلاة والسلام يدعو إلى محاسن الأخلاق ويرتقي بمعاملات الناس انطلاقا من الإيمان باليوم الآخر، من ذلك ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه”.فانظر كيف ربط النبي عليه الصلاة والسلام حسن التصرف بالإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر.
ذلك أن من كان يؤمن باليوم الآخر وما فيه من المواقف الصعبة والمهولة، سهل عليه فعل الخيرات وترك المنكرات.
كما أن التذكير المتواصل بالإيمان باليوم الآخر يخفف عن الناس ضغوط الحياة، ويعينهم على تجاوز المشاكل والأزمات، لاستشعارهم بحقارة الدنيا ووضاعتها.قال الله جل في علاه: “قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى” (النساء:77)وقال أيضا: “وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاح” (الكهف:45)
فلا يمتري أحد في أن للإيمان باليوم الآخر دورا في إصلاح أفعال العباد وإبعادهم عن الفساد، ولذلك قال شعيب لقومه: “يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِين” (العنكبوت:36)
نسأل الله تعالى أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنها، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي فيها معادنا.
آمين.
التعليقات