نظرة في الرواية
تجلّت فوارق كبيرة في النتاج الأدبي فيما قبل زمن الحداثة وما بعدها، وظهر التأثر بالغربيّ المستورد في محاولة للتماهي مع أدواته، بوصفه المثال الأقوى والأوضح..
اختيار المواضيع
تجلّت فوارق كبيرة في النتاج الأدبي فيما قبل زمن الحداثة وما بعدها، وظهر التأثر بالغربيّ المستورد في محاولة للتماهي مع أدواته، بوصفه المثال الأقوى والأوضح..
إننا نومن أن التراث الإسلامي يحتاج دائما إلى تجديد وتنقيح، وقد أخبرنا بذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم حينما قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" ولكن ما المقصود بالتجديد؟ ومن يتولى مهمة تجديد التراث وتنقيحه؟
كفانا تسولا على عتبات معبد "حقوق الإنسان"، واستجداء لأن يُدخلنا الغربُ في جنس هذا "الإنسان" الذي تُحفظ حقوقه .. كفانا انطراحا أمام هيكل "القيم الكونية الإنسانية"، ورجاءً لأن تشملنا بردائها الفضفاض .. كفانا تسبيحا بحمد "ثقافة التنوير"، التي لم نر منها – في تاريخنا الحديث - إلا ظلام العبودية والذل ..
إن عملية الهدم هي أسهل من عملية البناء، وإن عملية التبعية التي نعيشها اليوم إنما تقودنا إلى هدم ما أقمنا بناءه وقواعده عبر أجيال وتاريخ طويل، وإن هدم بناء الدين يبدأ بهدم الثقافة واللغة ..
لقد صارت اللغة العربية بعد انتشار الإسلام في كل الأعراق والألوان شعار وحدة بين هذه الأمم، وسهلت التواصل بين المسلمين، وصارت حية في كل بلد حيي أهله بالإسلام ..
إن الحكمَ بانتفاء الوجود الإلهي، وجَعْلَ التدين والبحث عن قوة عُليا نتيجةً للخوف، ما هو إلا مغالطة الأصل المنطقية، التي يُبتدَأُ فيها بالحكم سلبا أو إيجابا على منبع الفكرة، دون التعرض للفكرة ذاتها ومؤيِّداتها ..
إن الحديث عن مساواة المرأة بالرجل حق يقصد به باطل، وتسوية مآلها الظلم والإجحاف، بل منطقيا هو من باب طلب تسوية المتغايرات والمتقابلات، كمن يحاول مساواة الليل بالنهار، والأبيض بالأسود، ويحاول أن يساوي مساحة مثلث بمربع.
وأمام هذه الرؤية الطينية القاصرة، التي أفرغت الإنسان من قيمته الوجودية، نكون بحاجة إلى رؤية كونية تستقي من نور الوحي الإلهي، تهتم بالإنسان كلا لا جزءا، رؤية متبصرة بحال الإنسان ومآله، تحيي روح المعنى في الإنسان، وتطفئ لهيب الحيرة في عقله
كيف يمكن التأسيس لثقافة تقبل بالاختلاف وتتعايش معه دون أن تولد صدامات على أرض الواقع؟ وكيف السبيل إلى تدبير الاختلاف والتقليل منه بعدما تأكد للجميع أن القضاء على الاختلاف من المستحيل الذي لا مَرَام له ولا قدرة عليه؟
إن الإسلام لا يرى في المرأة أنها نصف المجتمع فحسب، بل يرى فيها أكثر من ذلك حين مكنها - بما أناطه بها من مهمة تنشئة الأجيال - من صنع أفراد المجتمع الذي يُحكم بنجاحه إذا نجحوا وبفشله إذا فشلوا ..
“نحن ذاتيّون حتى في بحثنا عن الموضوعية”
الإنسان ميّال بطبعه للدين، أو هو كائن ديّانيّ، بعبارة أخرى هو مخلوق متأثر ومؤثّر بالأيديولوجيا، فتأثّر نتاجه العملي أو الفكريّ بمسلّماته الأيديولوجية ما هو إلا انعكاس لطبيعة التدين فيه.
ومع تطوّر فكر الإنسان المتزامن مع ما يستجد مِن أحداث بيئته التاريخية والثقافية؛ فقد طرأت تغيّرات عديدة في كل مجالاته الحيوية والمعرفية، أدّت إلى ظهور نظمٍ حياتية جزئية تظهر على أنها من الضروريات المسلّم بها، والتي يجب على كل فرد يتبنى أيديولوجية ما أن يراعيها ويعمل بها -إن كلّها أو جزءًا منها- نذكر منها الحداثة، فعلى مستوى العلوم الإنسانية كالأدب مثلًا، تجلّت فوارق كبيرة في النتاج الأدبي فيما قبل زمن الحداثة وما بعدها، وظهر التأثر بالغربيّ المستورد في محاولة للتماهي مع أدواته، بوصفه المثال الأقوى والأوضح.
وسنحاول في هذا الموضوع أن نتطرق لعنصر مهم نفصّل به تمظهرات هذا التأثير، وهو الرواية، مع التركيز على نموذج روائي شبابيّ، نستنبط منه نتائج تبرز أهميته وضرورة وجود مثل ذلك النمط في الوسط الإسلامي.
ساهمت الترجمات الروائية للأدب العالمي بتوفيد الأدوات التأليفية ومناهج النقد لأدب الرواية -بمصطلحه الحديث- من عمالقة هذا الفن الغربيين، وأول ما يتبادر عند ذكر هذا: الأدب الروسي والإنجليزي.. حيث تبدّت مساهماته الأهم في أعمال دوستويفسكي و تولستوي ونحوهم في روسيا، ودانيا لديفو (الأب الروحي للأدب الإنجليزي والذي استلهم من قصة حي بن يقظان عمله الشهير “روبنسون كروزو”)، وجين أوستن.
وقبل تمخض التاريخ عن الوجه الروائي الذي نراه اليوم في أعمال هؤلاء وغيرهم، فقد مرّت الرواية بمراحل تاريخية ابتدأت من المنهج الكلاسيكي مرورا بالنيو-كلاسيكية فالرومنسية ثم الرمزية ومناهج النقد التي تقرؤها، وكانت بين هذه المراحل فواصل زمنية قويّة شكّلتها الرواية في قوالب تبيّن بعدها التاريخي وتصويرا متقنًا لها، لا من البعد المجتمعي وحده، بل حتى من خلال دلالاتها الوعظية أو الرساليّة – فقد حافظت على هذا المبدأ منذ الإرهاصات الروائية الأولى التي تجدها تحاول اكتشاف الإنسان وأبعاده وتحديد منطق عيشه الأنسب – تجد إذن رواية كـ زينب، الجريمة والعقاب، الحرب والسلم… تحمل في باطنها تواريخ وأحداثًا وشخصيات تصلُك بِبعد يتجاوز كلماتها المجردة، وتسبر أغوار النفس والواقع المتصل بها بحيث تدرك معها أنك جزء منها لا منفصل عما تأتي به من أحداث. يقول باختين: “هذا النمط الأدبي -أي الرواية- يمد جذوره في تلك الأرضية التي تتصل اتصالا مباشرًا بمواقع ولادة الواقع.”
لكن هذه الميزة التي تتمثل في الإثراء الثقافي المجتمعي، تكمن خطورتها في كونها سلاحا ذا حدّين، إذ إن الفكرة المطروحة ذاتها لا تقدّم بوصفها خيرا أو شرًا، بل قد تكون الشخصية الأساسية ذاتها antagonist شريرة، أو تعادي ما يجدر به أن يكون تجسيدا للمثال الحميد، بشكل عام: تحمل قيمة فاسدة حسب المعيار الذي تنطلق منه كقارئ، فبالتالي لا يلزم منها -وليست مطالبة به- أن تقترب من قيمك أو تدعمها ولا أن تكون كما يزعم بعض المبتدئين عن أعمالهم: تلتزم الحياد والموضوعية، بل هي مستحيلة أصلا!
وهنا نرجع إلى العبارة التي ابتدأنا منها للدكتور أحمد الشهري: “نحن ذاتيّون حتى في بحثنا عن الموضوعية” أي أن بحثنا عن الموضوعية مبرر بدافع ذاتي/أيديولوجي، وإلا لن يكون هناك دافع للنزوع نحوها. وهذه الفكرة هي ما استوقفني عند مشاهدتي لمحاضرته: « مدخل إلى الرواية”.
أشار الدكتور الطيب بوعزة في كتابه “ماهية الرواية” إلى نفس الفكرة عند تحدثه عن أسلوب الرمزية في العمل الروائي، إذ يرى أنه ” قد يعبر عن موقف فلسفي من الوجود، بوصفه ملغزًا وغامضا ولا يمكن احتواؤه بلغة مباشرة، بل يشار إليه بأسلوب الانزياح والترميز.”
فالموقف الفلسفي/ الأيديولوجي إذن، في الخطاب المباشر، أقل منه تأثيرا عند السرد والترميز وضرب الأمثال في إيصال الرسالة، ولهذا نجد ارتباط الأمثال بالخطاب القرآني متعددة لدرجة أنه صنّفت فيها دراسات وكتب عديدة تفردها بالبسط والتحليل.
من ذلك نستطيع تمييز وجه الخطورة لمَن لا يمتلك ملَكة النقد، من التأثر بأفكار قد تصل إليه على هيئة صفات لشخصية، أو مغامرات لمجموعة، أو أحداث تسير وفق بوصلة معينة حددها الكاتب حسب فكره الخاص أو رسالته المتعمدة. ونحن المُسلمين ندرك أهمية التحصين المعرفي والشرعي، فالمبادئ التي نتبناها مؤطرة بمنهج متوازن لا يفتح الباب على مصراعيه لاجترار فلسفات أو نظم إلا بعد إخضاعها لميزان المسلم، فنحن نقرأ كل ما نرى فيه فائدة بغض النظر عما يحمله صاحبه من عقيدة أو أفكار نوقن أنها فاسدة، لكن لا يكون ذلك إلا ببنيان صلب من المعارف التي تمَوقع كل ما نقرؤه في خانته الملائمة من سلسلتنا المنهجية، ثم نقرر ما نأخذ منه وما نردّ من تلك الحكمة -التي هي غايتنا في الأساس- ونسخّرها في ما ننتجه من أعمال، فينقلب الاستيراد إلى عملية بنائية لا تهدف للتماهي والترقيع، بل الجمع بين الحسن والأحسن. سنجد أنفسنا عند ذلك نمتلك قاعدة صلبة ترسخ ثقافتنا ورسالتنا بما يلائم تطوّر الآداب ولا يخلّ بالمنظومة التي نعتقد بها.
هنا تماما أذكر نموذجًا لشاب صدرت روايته مؤخرا بعنوان: “الوادي المعلق في السماء”، قرأتُها وكتبت تقييما مفصلا عنها ذكرتُ فيه مواطن التميز فيها ومواطن الخلل، ويمكن اعتبارها روايةً رمزية بامتياز، هدفها الرساليّ واضح -بل مكشوف في مواضع كثيرة- لكنه أرجعني بالذاكرة إلى رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، لأنه استعمل أسماء متقاربة للشخصيات غير أن الفكرة مختلفة تماما، في هذه الرواية وجدتُ أن النمط الأدبي غربي في الأصل لكن الاستعمال إسلامي، والسرد واللغة ماتعان، والأسماء موحية بذاتها قبل أن تتحدث، الأوصاف متناسقة مع الأحداث والحبكة.. والإلغاز السهل أو الممتنع أحيانا، يزيد الرواية تشويقًا، والجميل كذلك أن القارئ المسلم يرى الجملة أو الوصف فيقول: هذا عندنا! فيزيده ذلك مطابقة للحدث بالواقع، وبالتالي تأثيرا فيه، لنأخذ مثالين بسيطين من الرواية ذاتها:
في الصفحة 191 يقول المؤلف: [كانت الأميرة تؤمن تمام الإيمان بأن أسهل طريقة لإبعاد الناس عن فكرة ما لا يكون عن طريق إثبات أنها فكرة خاطئة، بل الاستهزاء بمن يروّج لها، الناس يخافون من السخرية أكثر من أن يكونوا مخطئين] = أليس هذا ما وُوجهت به الدعوة الاسلامية في بدايتها و لا تزال؟
في الصفحة 247 يقول المؤلف: [هذا الحريق بدأ بشرارة، وهذه الشرارة كانت ممارسة الناس للخطأ في العلن].. قال بعدها بقليل: [لكن بمجرد أن يفعل الانسان فعلا خاطئا في العلن، فهذا يجعله فعلا مقبولا، مستسهلا ثم مستساغا أيضا ] = أليس هذا مقصد الشربعة من سد الذرائع؟
فههنا قيَم تعضّد بأفكار، تُنتَج بأسلوب، وتُنقَل لمجتمع، ولئن كان هذا العمل أحد النماذج الجميلة التي أرشحها للاطلاع والاستفادة، فإني من باب أولى أرى أنه ثغر يجب الوقوف عنده بقوة (زاد وعدّة وعدد) تجعل من النتاج الروائي العربيّ الذي يوصل قضايا وجودية وتاريخية مجتمعية تبرز أدبا إسلاميا متجدد المواهب ومنضبط الأدوات = علامَةً فارقة في الأدب يعيد الازدهار الإسلامي في المجالات الإنسانية، ويضيّق المنفذ أمام الأيديولوجيات العدمية والمادية والاستهلاكية فلا تجد عبر باب الرواية استحسانا لها في ذوق الأجيال القادمة إلا كونَها عبرة لغيرها يستفاد من أخطائها، ولا تُتخذ نظامًا يحتذى به ليؤخذ منه قضّه وقضيضه.
التعليقات
أسأل الله ان يبارك في مواهبك ومجهوداتك.
نعم الرواية من الثغور لكنها بوابة ليس عليها زحام في زمن الميديا الصوت والصورة. مجتمعنا يعيش فراغ تعليم العلوم الشرعية للمراة الا الناذر القليل ودعوة النساء للنساء ضعيفة لا تكاد تذكر. فهل العلمانيات المظلمات والملحدات الوسخات اشجع من المؤمنات القانتات المنورات بوحي النور كما قال جبل الدعوة الامام الحويني قبل ايام على المباشر من صفحة ابنه على الفايس.
املان يا طيبات الجوامع وانشان الجمعيات وشاركن الخير وخالطن النساء في الحي وابهروهن بالاخلاق الاسلامية قبل الاقوال اللسانية علمن القرآن علمن سيرة الصحابيات اشتغلن بواجب الوقت من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة لاتدعن ثغر المجتمع فارغا للمفسدين لاتنشغلن بفروض الكفاية او بمفضول فاي مشروع دعوي يهمل شان النساء وتربيتهن على الحق فهو مشروع فاشل غير نافع وليس على الهدى وان جاء به اعلم من في الارض فانه واهم.