“#دعها تعنس”
حراك اجتماعي جديد، وحملة من تلك الحملات التي أصبحت تسري مسرى النار في الهشيم في مواقع التواصل، فتلقى إقبالا واسعا من شريحة كبيرة من الشباب، قد تقاسموا نفس الهموم، وتواطئوا على تقديم الحلول، أو على الأقل تشاركوا التعبيرعن شجبهم وتنديدهم ورفضهم لظاهرة من الظواهر المجتمعية المستشرية في عالم ما يفتأ يتغير ويتحول وتنقلب موازينه.
قد نفهم ونتقبل أن يدعو المجتمع المدني إلى حملة مقاطعة لبعض المنتجات على اعتبار غلائها في السوق، فالمستهلك غير ملزم بالخضوع إلى مساومات المنتج، وغير مضطر إلى أن يُفرض عليه ما عليه أن يستهلكه، خاصة مع تنوع المنتوجات، وكثرة البدائل. بل إن هذه الحملات قد تذكي روح المنافسة بين المنتجين أوالمستثمرين، وقد تحد من الاحتكار والجشع واستنزاف المستهلك. لكن أن تعمم التجربة لأجل مقاربة القضايا المجتمعية الحساسة؛ فيكون التحريض على منع ما أحل الله، وما جعله سببا للسكن وللمودة والرحمة مصداقا لقوله سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، وما نصح به النبي صلى الله عليه وسلم شباب أمته حلا للغض من البصر، وللإحصان في قوله عليه أفضل الصلاة والتسليم: “يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء” (رواه البخاري ومسلم)؛ فهذا ما لايرضاه مسلم حق، وما لا تقبله الفطر السليمة والعقول الحكيمة.
أليس من العته والاعتباطية أن تكون مقاطعة الزواج؛ وسيلة للحد من ارتفاع تكاليفه، وأن يكون الحث على “تعنيس” النساء، الذي هو في حد ذاته “تعنيس” للرجال؛ مأتى للحد من المغالاة في المهور، وأن تكون الرغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ مطية للانتقام من النساء؟
ثم لماذا يفترض أن يشار بأصبع الاتهام إلى الفتيات، وتحميلهن كل المسئولية فيما آلت إليه الأوضاع من اشتراطات مجحفة، وطلبات خيالية تعجيزية مثقلة للكاهل؛ في حين أن الأمر مسئولية منظومة مجتمعية برمتها قد تعارفت على كم من الشروط، وتواطأت على ترتيبات ومتطلبات وسار الأمر على ذلك لعقود؟
بل هذا يجرؤنا على المساءلة: ما الذي جعل العوائل تتعارف على هاته الشروط وتجعلها وسيلة لضمان حقوق بناتهم؟ وما الذي أوصل الناس إلى درجة من التخوين، وعدم الأمان، والتوجس الدائم، وأخذ الحيطة؛ باختراع – في بعض المجتمعات- القائمة، ومؤخر الصداق، و”النيش” وغيرها من “المعجزات المثبطات” التي جعلت من الزواج حلما بعيد المنال؟
صحيح أن الشارع الحكيم -الذي جعل الصداق تكريما للمرأة، وتفريقا به بين النكاح الحلال والمخادنة- لم يحدده بمقدار، وإنما جعل ذلك محتكماً فيه إلى العرف والعادات، وسماه في حالاتٍ مهرَ المثيلة. وصحيح أن أيسرهن صداقا؛ أكثرهن بركة، مع مراعاة الحريات الشخصية في التقليل أو الاستكثار، إذ ليس هناك أي نهي صريح ظاهرعن اشتراط صداق يشابه المماثلة، وليس هناك أي أمر للنساء بأن يعتنقن الزهد ويتنازلن عما يرينه حقا لهن، إلا أنه من عجيب ما ترسخ في أذهان الرجال، وما جعلوه قاعدة ملزمة للنساء لا تحيد عنها إلا مارقة؛ أنه يكفي الفتاة شرفا وعزا أن يطرق بابها من ينقذها من عزوبيتها ووحدتها، وربما مِن تأخر الزواج؛ فثواب هذا الطارق المتفضل عليها، أن تقبل منه بالهزيل من المهور، وأن تُقبل- باشة طربة – على شظف العيش معه، وإن كانت قلة ذات يده ليس من فقر ولا من تصاريف الأقدار، وإنما من كسل وتقاعس وتقصير في طلب الرزق، أو بسبب اقتناعه بوجوب تخلّيها عن مهر مثيلاتها والاكتفاء بما يجود به عليها من قروش. فإن أبت؛ اتهمها في ديانتها وأخلاقها. وأما إن كانت أرملة أو مطلقة، إن هو تكرم وتفضل “بالإحسان” على مضض إليها، والقبول بها زوجة على ما هي عليه من وصمة عار وشنار ألصقها بها المجتمع العقيم، فكلامها إن هي تكلمت عن الصداق أو عن القوامة والإنفاق؛ ضرب من الخبل ومن التطلب ومن استعطاء ما لا تستحقه، وإنما قد تكون ذات حظ وفير إن كانت ذات مال، فتنفق على نفسها وعليه، وتشتري بمالها متفضلا يرفع عنها سخمة الترمل أووصمة الطلاق. ولو شاءت السنة الكريمة أن تجعل تنازل المطلقة أو الأرملة عن مهرها مقابلا للزواج؛ لبينت ذلك ولكان الامتثال إليه مما تتشرف به، ولو شاء الشارع أن يحدد الصداق في عتبة لا يجب تجاوزها، وفي مبلغ أو مقدار مسمى؛ لكان الأمر بذلك في كتاب الله وسنة رسوله، شأنه شأن الديات والمواريث والكفارات وغيرها مما جاء تفصيل مقداره. ولو كان محددا بالقلة؛ لما ميّزه الله بالقنطار في قوله جل وعلا: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا }، ولما هدى من لم يستطع الطول (أي القدرة والسعة) إلى أن ينكح من ملك اليمين، وإلا لكان أمَر النساء بالتنازل عن المهور أو التخفيف منها قدر استطاعة الخاطب المعوز. فالطَّول يستلزم المقدرة على المناولة، ومادامت هذه المقدرة مفقودة مع صنف من النساء ، فليبحث عند غيرهن.
خلاصة الأمر، أنني لست بصدد التحريض على ارتفاع المهور، ولا لأجل تكريس الأعراف المجحفة، والتواطؤ مع الاشتراطات المعجزة، فالعاقل الحكيم المتأمل في أحوال المجتمع؛ يفطن إلى ما تسببت فيه العادات المشينة والتقاليد الظالمة من خراب بيوت، وانتشار الفساد، وتأخر الزواج على الجنسين معا، وتعسير على الشباب، ومطالبتهم – ذكورا وإناثا – بما لا يلزمهم، بل بما لا ينفع وسيلة لحفظ الحقوق، فالمحاكم تشي بأنه حينما تستحيل العشرة، وتتنافر الأرواح، فلا شيء سيقف أمام فراق وشيك، ولا أسهل من بذل المال لأجل الخلاص من حياة ما أرادها الله سجنا مؤبدا، فيهون في مقابل ذلك مؤخر الصداق وإن كان قنطارا، ويسهل على النفس التنازل عليه وعلى كل الممتلكات شراء لروح؛ حياتها في حريتها وفي مبعد عما يسبب تعاستها ويهدد سكينتها.
وإنما هي محاولة للحث على مراجعة الغاية والدافع من هذه الحملة، وبيان الحقيقة التي تغيبها الحماسة والنزق والاستعجال في طلب الحلول، والنشاط إلى التكالب على الآخر، واهتبال الفرصة للإزراء به والتطاول عليه، ألا وهي أن الهجوم لا يكون على الدوام وسيلة للدفاع، فرب هاجم ينال من نفسه قبل الخصم، ويزري بنفسه وقد رام الإزراء بالبرآء، وأن الحياد عن شرع الله لا يصنع الحلول، وأن الزهد والتزهيد في الزواج ليس يفعل أكثر من تعميق الهوة وإدماء الجراح، وأن راغبا عن سنة الزواج مرغبا عنها قد صنف نفسه فيمن تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيما قاله:
((وأتزوَّجُ النساء، فمن رغِب عن سنتي، فليس مني)).
التعليقات
بسم الله الرحمن الرحمن .
التوسط في اتباع الشرع مقاصد وجزئيات، لا بالأفهام الهووية والآراء الشخصية التابعة للمصالح الفردية او الطائفية …
موضوع الاختلاط ينظر فيه من جهات عدة أصول، وكلها شاهدة على أن الأصل المنع لا هذه الفضفضة الحداثية !!
– ١) مقاصد الشرع تشهد لمنع الاختلاط إلا لضرورة أو حاجة مؤكدة، فقد وضع الشرع حواجز من جهات هي أخف من الجهة التي يتم بها اختلاط الجنسين، والعمه وحده من سيسوغ التفريق في منع الاختلاط
– حاجز السمع، فقد نهى الشارع المرأة من الخضوع بالقول، كما نهاها عن إسماع الرجال صوت قدميها … فكيف يفوه عاقل بجواز تقريبها لجسدها من الرجال في القاعات بل في الوقفات عند التصوير -كحضرتكم!!- بلا حاجة !
– حاجز البصر، ونهي الشارع عن النظر إليهن والعكس من القطعيات … وأنت ترى أن النظر للحاجة لا يمنع تحريم الأصل، وهو الحال في الاختلاط، فلا يستدل بمقامات الحاجة والضرورة في مقام بحث الأصل ! كما صنع حضرتكم فيما أوردتموه من الشبه، وليس أدلة !
– حاجز الشم، فقد نهى الشارع الحكيم المرأة عن الخروج متطيبة كي لا يشم الرجل رائحتها فيفتتن بها، فإذا كانت الفتنة في الرائحة والرجل يعلم أنها مفتعلة وليست جزءا من المرأة فكيف بجسدها وذاتها ؟!!! على عقل المجوز العفاء !
– حاجز اللمس، فتحريم لمس المرأة الأجنبية مما اتفق عليه الفقهاء وأكده الواقع والعلم والتجربة، والحديث في الوعيد عليه معروف حسن… فكيف يجوز الجلوس بقربها وفي لمسها كل هذا ؟!
لا يشك عاقل في أن هذه الحواجز إنما أوصد الشارع الحكيم أبوابها سدا لذريعة الوقوع في المحرم لذاته (الزنى)، وهذه الوسائل تؤدي لتلك الغاية قطعا وإلا كان المانع متهما للسارع وطاعنا في الشريعة، وهذه التأدية حاصلة قطعا بل من باب أولى في منع الاختلاط سواء في التعليم أم غيره .
– ٢) لا بد من التفريق بين مقامي الأصل والاستثناء، فالأصل التحريم لما تقدم، والجواز رخصة قياسا على جواز النظر للحاجة أو الضرورة (والحاجة الملحة أو العامة تنزل منزلة الضرورة)، وكل ما نقل من الاختلاط زمن النبوة في الأسواق وغيرها من قبيل الاختلاط المحتاج إليه، ولم يمنع أحد الاختلاط في الأسواق ما دام متحفظا، وقد أدركنا هذا الاختلاط قبل انتشار هذا التبرج السخيف في أسواق الأماكن المحافظة النائية ولم ينكره أحد .
لعلك نسيت مقالك القديم، فهلا أجبت عن ادلته : (http://bit.ly/2TgVzEG).
الحمد لله.
كتب حماد القباج مقالا يبيح فيه الإختلاط، بل جعل العلاقة بين الجنسين مفتوحة ما داما على الاحترام والأدب!. وتحريم الإختلاط ومنع الجنسين من التواصل غلو وتشدد!.
وهذا المقال يناقض تماما ما كتبه سنة 2009 حين حرم الاختلاط وجعل إباحته سببا من أسباب الزنا!. راجع مقاله القديم (هنا)..
مقاله الجديد يتحدث عن الغلو في ممارسة بعض أحكام وآداب الشرع الإسلامي، ولم يجد أمثلة عن هذا الغلو غير تغطية الوجه والتواصل بين الجنسين والاختلاط!! قال:”إن الغلو المذكور يتلخص في إلزام المرأة والرجل بما لم يُلزمهما به الشرع الإلهي بذريعة اتقاء الفتنة؛ كإلزام المرأة بتغطية وجهها، وحظر التواصل بين الجنسين إلا للضرورة، وتحريم الاختلاط مطلقا في غير المناسك..”.
مع ان العلماء أجمعوا على مشروعية النقاب ولم يخالف في ذلك أحد من أهل العلم، بل اعتبروه أفضل للمرأة، وإنما الخلاف كان في وجوبه. وليس المقام بسط الحديث عن تغطية الوجه، لكن الغلو هو وصفه ذلك.
والعجيب أنه في مقاله القديم اعتبر تحريم الاختلاط لأنه سبب الزنا، قال :”إن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم الأسباب المفضية إليه وسد الذرائع المؤدية إليه؛ وتأبى حكمة اللطيف الخبير أن يحرم شيئا ويترك الوسائل الموصلة إليه مباحة.
لقد حرم الله الزنا وجعله فاحشة وساء سبيلا، فكان من تمام هذا الحكم أن شرع للمجتمع المسلم الأحكام والآداب التي تعينهم على تطبيقه؛ ويدخل في هذا الباب: أحكام الاستئذان والنظر والعورات والحجاب، المتضمنة فروعا كثيرة؛ كتحريم الخلوة والاختلاط..”.
فكيف نحرم اليوم على الناس الزنا ثم نبيح لهم أسبابه كالاختلاط!!. أليس هذا تشدد وتناقض ينسب إلى الشريعة!!.
ومن أراد تحرير الحكم في العلاقة بين الجنسين فعليه أن يكتب بقلم شرعي وفق مفهوم إسلامي لا علماني يصف كل محاولة للفصل أو رسم حدود مقيدة بالضعف والشهوانية، وهذا عين ما ذهب إليه قال:” وفي هذا الصدد، وقعت مبالغات في مقصد اتقاء الفتنة؛ تجعل من شخصية المسلم شخصية ضعيفة مضطربة تفر من اللقاء ويرهبها التواصل؛ وتولدت عن هذه الحال النفسية إلزاماتٌ غير شرعية”. وكذا قوله:”حتى صار الواحد منهم لا يستطيع أن يملك نفسه في تعامله مع الجنس الآخر، ولا يرى فيه إلا سببا للفتنة؛ فهو أشبه ما يكون بالمزكوم الضعيف المناعة الذي يقتصر في علاج الزكام على أدوية الزكام وينسى علاج ضعف المناعة الذي هو الأصل المتسبب في مرض الزكام وغيره..”.
وهذا مبدأ التغريب الذي يعتبر الفصل بين الجنسين مولد للكبت وأن التواصل الدائم بينهما كفيل بتغير نظرة بعضهما إلى البعض!!. مع ان الزوج يقضي مع امرأته دهرا طويلا ولا تتغير نظرته إليها!!.
وهذا هو نفسه فكر فرويد الذي يقوم على فتح الحدود بين الجنسين لحد الاختلاط. وفد حذر منه لكن خالفه اليوم ويوافقه تماما حينما فتح باب التواصل بين الجنسين لغير ضرورة وجعل العبرة بإصلاح القلوب وتطهير النفوس!!.
بينما يقوم المبدأ الإسلامي وضع حدود للعلاقة بين الجنسين قدر الاستطاعة إلا فيما لا بد منه، وذلك مراعاة للفطرة والميل الطبيعي، قال ربنا:{زين للناس حب الشهوات من النساء}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:”إما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء”.(البخاري.5096.مسلم.2741).
قال ابن القيم:”لا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال: أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا..”.(الطرق الحكمية724/2).
فمحاولة تمويه نظرة الشاب السليم إلى المرأة النضرة على أنها نظرة بريئة مع دوام الاتصال والمكث، هو خروج عن حيز الاعتدال أو تكذيب للشرع أو الإنكار المعتنت، وقد أشار إلى هذا ابن الجوزي رحمه الله قائلا:”فإذا ادعى الشاب السليم البدن الصحيح المزاج أن رؤية المستحسنات لا تزعجه ولا تؤثر عنده ولا تضره في دينه، كذبناه لما نعلم من استواء الطباع، فإن ثبت صدقه عرفنا أن به مرضا خرج به عن حيز الاعتدال”.(تلبيس إبليس.ص:202-203).
هذه فطرة الله في الرجال والنساء وهي الميل إلى بعضهما، والأمور بخير ما داما بعيدين فإذا حرك الساكن تحركت الفتن كما قال ابن حزم:”والصالحان من الرجال والنساء كالنار الكامنة في الرماد لا تحرق من جاورها إلا بأن تحرك.”.(طوق الحمامة.ص:271).
وهذا الاعتبار ورد في مجتمع وقوم أطهر مما هو عليه العصر وأهله، قال ربنا:{فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}. ومن هن اللواتي يحذرهن الله هذا التحذير؟. إنهن أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- وأمهات المؤمنين، اللواتي لا يطمع فيهن طامع، ولا يرف عليهن خاطر مريض، فيما يبدو للعقل أول مرة. وفي أي عهد يكون هذا التحذير؟ في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- وعهد الصفوة المختارة من البشرية في جميع الأعصار..ولكن الله الذي خلق الرجال والنساء يعلم أن في صوت المرأة حين تخضع بالقول، وتترقق في اللفظ، ما يثير الطمع في قلوب، ويهيج الفتنة في قلوب. وأن القلوب المريضة التي تثار وتطمع موجودة في كل عهد، وفي كل بيئة، وتجاه كل امرأة، ولو كانت هي زوج النبي الكريم، وأم المؤمنين. وأنه لا طهارة من الدنس، ولا تخلص من الرجس، حتى تمتنع الأسباب المثيرة من الأساس. فكيف بهذا المجتمع الذي نعيش اليوم فيه. في عصرنا المريض الدنس الهابط”. (راجع: الظلال).
وورد التحذير المغلظ لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهن الطاهرات، لكي لا تغتر المؤمنة فتقع في أسباب الفاحشة كالنظر والخلوة والاختلاط فقال ربنا:{يا نساء النبي من يأتي منكن بفاحشة مبينة}
ومحاولته تصوير المجتمع الإسلامي على أنه مجتمع مختلط محاولة يائسة ومتناقضة!. فانظر إلى كلامه اليوم القائل :”ووجود الرجال والنساء في المكان الواحد كان مظهرا معروفا في المجتمع النبوي؛ في المسجد والسوق والبيوت وغيرها، والرجال والنساء يخاطب بعضهم بعضا ويتكلم بعضهم أمام بعض” انتهى.
لكن قال في مقاله القديم:”وكما أن الشريعة تحظر الاختلاط، فإنها تحث على تقدير الضرورة التي قد تؤدي إليه بقدرها؛ وهكذا فالأماكن التي يتاح فيها اجتناب الاختلاط تعين اجتنابه فيها، وتلك التي يتعذر فيها ذلك؛ كالأسواق العامة وأماكن مناسك الحج والعمرة..”.انتهى.
فتأمل كيف اعتبر الاختلاط في الشارع والطواف وغيرها من الأماكن من الضرورة التي اعتبرها الشارع!!، بينا يراه اليوم هو الأصل وهذا تناقض صارخ جدا فما الذي تغير؟!.
ونحن نقول بأن الاختلاط الحاصل بينهم اليوم لم يعرفه المجتمع النبوي، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يفصل الرجال عن النساء، ويجعل لكل واحد منهم يوما خاصا به، بل حتى في خطبة العيدين كان يخص كل جنس بخطبة، فعن ابن عباس:”أنه سأله رجل: شهدت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – العيد أضحى، أو فطرا؟ قال: نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته، يعني من صغره- قال: خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فصلى، ثم خطب، ولم يذكر أذانا، ولا إقامة، ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة، فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن، يدفعن إلى بلال ثم ارتفع هو وبلال إلى بيته”.(البخاري.5249).
قال ابن حجر:”قوله (ثم أتى النساء) يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم “.(466/2).
قال ابن رجب:”هذا يدل على أن مجالس النبي صلى الله عليه وسلم – للفقه في الدين والتذكير ونحو ذلك – لم يكن النساء يحضرنها مع الرجال، وإنما كن يشهدن الصلوات في مؤخر المساجد ليلا، ثم ينصرفن عاجلا، وكن يشهدن العيدين مع المسلمين منفردات عن الرجال من ورائهم، ولهذا لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد رأى أنه لم يسمع النساء، فلما فرغ جاء ومعه بلال إلى النساء، فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة، وأجلس الرجال حتى يفرغ من موعظة النساء.
وأصل هذا، أن اختلاط النساء بالرجال في المجالس بدعة كما قال الحسن البصري”.(تسلية نفوس النساء.ص:7).
والعلماء لا يتحدثون أصلا عن الاختلاط العابر الذي يكون في الشارع والمسجد والبيع والشراء، وإنما الاختلاط الدائم، وقياس احدهما على الٱخر خطأ، فالزمن الطويل ليس كالزمن القصير، ألم تر أن الشارع أباح النظر اليسير إلى المخطوبة والجلوس معها زمنا يسيرا بلا خلوة؟. وبناء على قياس الاختلاطيين فإنه مادام الجلوس معها زمنا يسيرا جائز، فلا مانع من أن يجلس معها أياما وليالي، وينامون في غرفة واحدة بلا خلوة قياسا على ما سبق، لأنه لا فرق عند الاختلاطيين بين الزمن اليسير والكثير في الأحكام.
وكذا المرأة تحتجب في الصلاة، فإذا انكشف منها شئ في زمن يسير ثم سترته فإنها لاتبطل صلاتها للعفو عن الزمن اليسير، فبناء على قياس الاختلاطيين فإنه مادام يجوز لها انكشاف عورتها في الصلاة بزمن يسير فلا مانع إذن أن تنكشف طوال الصلاة قياسا على ذلك، لأنه لافرق بين الزمن اليسير والكثير في الأحكام عند الاختلاطيين!. وكذا مرور الجنب بالمسجد مرورا يسيرا، {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}. انكشاف العورة في زمن يسير لا يبطل الصلاة، والنوم اليسير لا ينقض الوضوء..(أنظر:أقيسة الاختلاطيين.إبراهيم بن عمر السكران).
فالمجتمع النبوي كان بعيدا عن هذه المجالس التي ترى اليوم، وكان يحرص على الفصل بين أنفاس الرجال والنساء قدر الاستطاعة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء المؤمنات بزلوم حافات الطريق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ليس للنساء وسط الطريق”.(حسن رواه ابن حبان.5601). وعندما سمعت المرأة العفيفة كانت ردة فعلها كما ورد عن أبي سعيد الأنصار:”كانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به”.(حسن رواه أبو داود.5272).
بل جعل صلاتها وهي أعظم شغل في أبعد ما يكون عن الرجال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إن أحب صلاة تصليها المرأة إلى الله أن تصلي في أشد مكان من بيتها ظلمة”.(حسن رواه ابن خزيمة.1692). فإذا كان هذا في صلاتها ووحدها في بيتها، فكيف في مكان مختلط خارج ببيتها في غير صلاتها؟!.
بينما يباح لها اليوم أن تتصدر مجالس الرجال!!. قال ابن العربي المالكي:”فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس ، ولا تخالط الرجال ، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير ، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها ، وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم ، وتكون منظرة لهم ، ولم يفلح قط من تصور هذا ، ولا من اعتقده”.(أحكام القرآن.483/3).
ثم ذكر القباج بعض الشبه في جواز الاختلاط :
-نظرته لغض البصر : فالأصل عنده جواز نظر الجنسين إلى بعضهما، وأن النظر المحرم هو ما كان لشهوة!!. مع أن النظر لشهوة مجمع على تحريمه لا يحتاج لنقاش ومع ذلك يذكره ويجعله القول الفصل!.
والحقيقة عكس ذلك، بل الأصل هو غض الرجل بصره عن النساء ولا يباح إلا لحاجة، وقوله تعالى :{من أبصارهم} فقد وقع الخلاف بين أهل العلم في عمل (من) فقيل هي للابتداء وقيل للجنس، أي أن الغض هنا من البصر لا من الصوت، وقيل هي زائدة وقال الأكثرون هي للتبعيض.
وعلى القول بأنه للتبعيض فلا تعني جواز النظر للنساء بإطلاق، قال ابن القطان الفاسي:”ووجهه: أن من النظر ما لا يدخل تحت التكليف، كالواقع فجأة من غير قصد، ومنه ما عُفي عنه وأبيح، كالنظر إلى ذوات المحارم والرجالّ”.(أحكام البصر.ص:88). فالنظر منه المحرم كالنظر للنساء وبيوت الناس، ومنه المباح كالنظر للمحارم أو نظرة الفجأة..
ويؤيد هذا عموم قوله صلى الله عليه وسلم وهو المفسر لكلامه ربه:” اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم”.(حسن رواه أحمد.22756).
وقال صلى الله عليه وسلم:”العينان زناهما النظر”.(البخاري.6243.مسلم.2657).
فهي أحاديث عامة تفيد تحريم النظر إلى النساء من غير حاجة وهي عامة لا مخصِص لها غير الحاجة والضرورة.
ثم فسر قول النبي صلى الله عليه وسلم:”لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية“. تفسيرا لا دليل عليه، وأخرجه عن إطلاقه تعسفا ليوافق مراده، وكأن الرجل يباح له بعد النظرة الأولى أكثر من ذلك فلينظر ويتأمل!!. وهذا لا يسعفه، فعن جرير بن عبد الله، قال: “سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري”.(مسلم.2159). وهذا ظاهر عام لا يحتاج إلى تأويل.قال الطيبي:”وهي أن يقع النظر إلي الأجنبية من غير قصد بغتة فهو معفو، لكن يجب عليه أن يصرف بصره في الحال، وإن استدام النظر يأثم”(.شرح المشكاة.3104).
ثم ذكر حديث عائشة ونظرها إلى الحبشة وهم يلعبون، وهو حقيقة رد عليه إذ النبي صلى الله عليه وسلم كان يسترها بردائه، فلو كان النظر مباحا بإطلاق ما سترها عنهم!. وفي هذا نكتبة وهي الفرق بين نظرة الرجل إلى المرأة ونظرتها إلى الرجل، فهو سريع التأثر بها، ومن الجهل أن نقيس الرجل بالمرأة،، فالرجل سريع الإثارة، فغالب جسد المرأة يثيره إلى أبعد حد، عكس المرأة التي تثيرها اعضاء معينة، وذلك لان الرجل له نشاط يومي في تكوين النطف، عكس المرأة التي تظل رهينة بويضة واحد خلال الشهر كله. قال القرطبي:” المرأة يجوز لها أن تطلّع من الرجل على ما لا يجوز للرجل أن يطلع عليه من المرأة، كالرأس، ومعلّق القرط، ونحو ذلك، فأما العورة فلا”.(المفهم.270/4).
أما حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت أم شريك؛ ثم قال: “تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدِّي عند عبد الله بن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ولا يراك”.
فليس في الحديث دليل على جواز النظر، وإنما هو إزالة للمشقة التي ستقع فيها أم قيس لو اعتدت عند أم شريك، وخاصة فيما يتعلق بنزع الثياب، إذ النظر العادي أمر يمكن التحرز منه ولا مشقة فيه عكس وضع الثياب خلال مدة العدة الطويلة، ثم الحال حال ضرورة وليس لها مكان تعتد فيه، فعند مسلم:”قلت: يا رسول الله، زوجي طلقني ثلاثا، وأخاف أن يقتحم علي، قال: فأمرها، فتحولت”.(1482).قال ابن عبد البر المالكي:”وهذه الآثار وما كان مثلها في معناها يدلك على أن قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس عند بن أم مكتوم تضعين ثيابك ولا يراك أراد به الإعلان بأن نظر الرجل إلى المرأة وتأمله لها وتكرار بصره في ذلك لا يجوز له لما فيه من داعية الفتنة”.(الإستذكار.169/6).
ثم نقل نصوصا عن العلامة الألباني رحمه الله فيها تعامل الرجال مع النساء، مع أن الشيخ الألباني رحمه الله ذكرها في سياق آخر لأنه يحرم الاختلاط، لإدراكه يقينا الفرق بين العابر والدائم، لكن القباج يخلط ولا يفرق، ومن بين النصوص :
-امرأة أبي أسيد التي صنعت الطعام للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه.
وهو يقصد حديث سهل قال:”لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل «فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته، تتحفه بذلك”.(البخاري.5182.مسلم2006).
وهذا الخبر كان قبل فرض الحجاب أصلا، فالصحابة كانوا يعيشون مختلطين وكانت النساء لا يلبسن الحجاب، وإنما الحجاب فرض سنة خمس أو ست، وبهذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعد فرض الحجاب تقريبا أربع سنوات أو يزيد بقليل.
وهذا سبب خطأ الكثير، فيأتي إلى قصص قبل التحريم ويستدل بها، قال العيني بعد ذكر القصة:”كان ذلك قبل نزول الحجاب”.(عمدة القاري.159/20).
قال النووي:” هذا محمول على أنه كان قبل الحجاب”.(مسلم.177/13).
ودليل هذا أن زوجة أبي أسيد هي سلامة بنت وهب وأولادها ثلاثة: أسيد وهو الأكبر، والمنذر وحمزة، كما نص عليه خليفة بن خياط في طبقاته وعمر أبي أسيد الساعدي حينما فرض الحجاب كان سبعا وستين سنة، وابنه الأكبر الذي أمه سلامة المتزوجة كما في هذا الحديث ذكره عبدان المروزي في الصحابة، وكذلك ابن الأثير وغيرهم، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – توفي سنة إحدى عشرة للهجرة، والحجاب فرض سنة خمس للهجرة، يعني قبل وفاته بخمس سنين، فمتى تزوج أسيد وسلامة – رضي الله عنهما -؟ ومتى ولد لهما؟ ومتى أمكن أن يكون ابنهما أسيد، وأن يعد صحابيا في خمس سنين.
-ثم أسماء بنت أبي بكر التي كانت تخدم الزبير زوجها: تعلف فرسه، وتكفيه مؤنته..
وهذا كما ترى لا علاقة له بمسألة الاختلاط والمكث الذي يجري في المؤسسات، ولكن مع ذلك الخبر ضد دعواه فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت :”كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله ﷺ على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله ﷺ ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال: إخ إخ [يقال للجمل ليبرك]، ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال..”.
فانظر رحمك الله كيف لم تقبل المشي مع الرجال مع أنها ستكون راكبة بعيدة عنهم!!. لكن يأبى الدعاة إلا تجفيف ماء الحياء من وجوه المؤمنات.
-المرأة الأنصارية التي استقبلت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وبسطت له تحت النخيل، ورشت حوله، وذبحت له طعامًا.
وهذه القصة عند أبي يعلى عن جابر،:”أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى امرأة من الأنصار فبسطت له عند صور ورشت حوله، وذبحت شاة، وصنعت له طعاما، فأكل وأكلنا معه ثم توضأ لصلاة الظهر فصلى، فقالت المرأة: يا رسول الله، قد فضلت عندنا من شاتنا فضلة، فهل لك في العشاء؟ قال: «نعم» فأكل وأكلنا ثم صلى العصر ولم يتوضأ”.(2160).
وأنت ترى فلا وجود في الرواية أن المرأة جالستهم أو أكلت معهم، وغاية ما ورد صنع الطعام وهذا لا صلة له بالاختلاط
-ثم ذكر عن عائشة وأم سليم اللتان كانتا تحملان القرب وتسقيان القوم..
وهذا أمر آخر يغلط فيه وهو عدم التفريق بين السلم والحرب، بل بين الأصل والاستثناء، فالأصل أن المرأة لا تخرج للجهاد، عن أم كبشة قالت:”يا رسول الله، ائذن لي أن أخرج في جيش كذا وكذا. قال: لا. قلت: يا رسول الله، إني لست أريد أن أقاتل، إنما أريد أن أداوي الجريح والمريض، أو أسقي المريض. فقال: لولا أن تكون سنة, ويقال: فلانة خرجت، لأذنت لك، ولكن اجلسي”.(صحيح رواه الطبراني.431).وفي رواية:”اجلسي، لا يتحدث الناس أن محمدا يغزو بامرأة”.(صحيح رواه ابن سعد.238/8).
وعن أم ورقة بنت عبد الله بن نوفل الأنصارية:”أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا. قالت: قلت له: يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم، لعل الله أن يرزقني شهادة. قال: قري في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة.فكانت تسمى الشهيدة”.(حسن رواه أبو دود.591).
والعجيب أن الشيخ الألباني قال:”إنما تحمل على الضرورة أو الحاجة لقلة الرجال، وانشغالهم بمباشرة القتال، وأما تدريبهن على أساليب القتال وإنزالهن إلى المعركة يقاتلن مع الرجال كما تفع بعض الدول الإسلامية اليوم، فهو بدعة عصرية، وقرمطة شيوعية، ومخالفة صريحة لما كان عليه سلفنا الصالح، وتكليف للنساء بما لم يخلقن له، وتعريض لهن لم لا يليق بهن إذا ما وقعن في الأسر بيد العدو”.(سلسلة الاحاديث الصحيحة.549/6).
ثم ذكر رواية يبين فيها علاج النبي صلى الله عليه وسلم بعض الظواهر، وذكر حديث ابن عباس:”كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء من أحسن الناس؛ فكان بعض القوم يتقدم في الصف الأول لأن لا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر؛ فكان إذا ركع نظر من تحت إبطه فأنزل الله في شأنها: {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين}
وظاهر أنه يقلد في التصحيح والتضعيف، ففاته أن الرواية منكرة سندا ومتنا :
اما سندا فهي من حديث نوح بن قيس الحداني عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس به، وقد خولف فقد رواه جعفر بن سليمان عن عمرو عن أبي الجوزاء مرسلا، ونحو هذا رواه عبد الرزاق، وقد رجح الترمذي الإرسال فقال:”وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح”.(السنن.3122). قال القرطبي :”روي عن أبي الجوزاء ولم يذكر ابن عباس . وهو أصح”.(التفسير.19/10).
أما متنا فإن سورة الحجرات مكية ولم يكن حينها صلاة تشهدها النساء!!. ثم السورة مكية تتحدث عن الشرك والمشركين وما حصل إنما كان في المدينة وسياق الآية يتحدث عن الموت والحياة، قال ابن كثير:”هذا الحديث فيه نكارة شديدة”.(التفسير.532/4).
قال الطبري في تفسير الآية:”وأولى الأقوال عندي في ذلك بالصحة قول من قال: معنى ذلك: ولقد علمنا الأموات منكم يا بني آدم فتقدم موته، ولقد علمنا المستأخرين الذين استأخر موتهم ممن هو حي ومن هو حادث منكم ممن لم يحدث بعد، لدلالة ما قبله من الكلام”.(التفسير.94/17).
والعجيب أنه ذكر علاج النبي صلى الله عليه وسلم بجعل صفوف الرجال في الأمام والنساء في الخلف! وهذا يرد على قوله أن العلاج يكون بتطهير القلوب، فلو كان كذلك ما جعل صفوف الرجال أمام النساء ولكتفى بعلاج الأفئدة فتأمل.
ثم قال :حديث “يصل المسلم إلى القلب الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض“.
الحديث هذا نصه كاملا:”تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء،، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض”.(مسلم.144).
فانظر قول المعصوم:”وأي قلب أنكرها نكتت له نكتة بيضاء”. فالعبرة بإنكار المنكر ورده لا بالتطبيع مع الاختلاط، فبتعود القلب على رؤية المنكرات تطبع النفس عليها فتألفها، لذا فأضعف الإيمان تغييره بالقلب بثورة داخلية باطنية تستقبح الفعل وتسنكره في كل مرة رأته.(راجع الفجور السياسي.الانصاري.ص:56).
وكنا ننتظر من هؤلاء الدعاة أن يصلحوا حال مؤسساتهم، فإذ بهم قد تأثروا بالفكر التغريبي وبسطوا ألسنتهم وأقلامهم في التدليل ببشه كالتي يشوش بها أصحاب الفكر العلماني، والغرض هو تبرير واقعهم والمضي قدما في مسيرتهم الدعوية المختلطة.
فنحتاج اليوم لدعاة وعلماء ينكرون المنكر ويبينون للناس حكم الله الحق غير متأثرين بالواقع ولا مداهنين لأحد من البشر.
والله المستعان.
بارك الله فيك أخي