تهافت المذهب الربوبي
تعتبر الربوبية فلسفة عدمية عقيمة، فهي لا تعطي إجابات شافية عن الأسئلة الوجودية الكبرى الملحة لكل إنسان على وجه الأرض، وقد رد القرآن الكريم على القائلين بمثل هذه المقالة (عبثية الخلق)..
اختيار المواضيع
تعتبر الربوبية فلسفة عدمية عقيمة، فهي لا تعطي إجابات شافية عن الأسئلة الوجودية الكبرى الملحة لكل إنسان على وجه الأرض، وقد رد القرآن الكريم على القائلين بمثل هذه المقالة (عبثية الخلق)..
الانطلاق من القرآن بتجرد عن كل ما يشوش نظرتنا وجعله منهجاً لتفسير وتوجيه معتقداتنا وسلوكاتنا هو أفضل منهج لفهم الدين فهما صحيحا، وأفضل وسيلة لتعزيز وحدة اﻷمة ونبذ فرقتها.
إنّ قضيّة الإيمان أو الإلحاد، والالتزام بمقتضياتهما في الفكر والسلوك، تستحق من العاقل ألا يتعامل معها بسذاجة لا مبالية وسطحيّة عابرة..
نحن اليوم أمام وثنية جديدة اسمها العلم التجريبي، أنبياؤها هم علماء البيولوجيا والطب والفلك والفيزياء الذين يتبنَّون المنهج العلموي..
إن الكلام عن مصاحف الصحابة في مقابل مصحف عثمان مجرد مغالطة اعتمدها المستشرقون للتشكيك في صحة القرآن..
لا ينقص من قدْرك أو قيمة فكرتك أو مشروعك العلمي أو الدعوي إن تولى غيرك مهمة التنزيل والتوقيع ..
الحياة تتكامل بجميع أجزائها لا بمفرداتها، كقطع فسيفساء تعضد بعضها بعضا لتشكل لوحة ذات منظر متماسك ..
أجل، ذلك التعبير اليسير الذي يظهر على مُحَيَّاك، والذي لا يتطلب منك أي مجهود، ولا يأخذ منك أكثر من ثانيتين، ولا تنفق عليه أي شيء، هو في ديننا الحنيف صدقة !
تجلّت فوارق كبيرة في النتاج الأدبي فيما قبل زمن الحداثة وما بعدها، وظهر التأثر بالغربيّ المستورد في محاولة للتماهي مع أدواته، بوصفه المثال الأقوى والأوضح..
إننا نومن أن التراث الإسلامي يحتاج دائما إلى تجديد وتنقيح، وقد أخبرنا بذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم حينما قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" ولكن ما المقصود بالتجديد؟ ومن يتولى مهمة تجديد التراث وتنقيحه؟
الربوبية أو مذهب التأليه الطبيعي كما يطلق عليه البعض، هو تصور عقدي ينطوي تحت مسمى الإلحاد الجديد ، ويعتقد الربوبي أن الله خلق الكون ثم تركه يعمل كالساعة الزنبركية فلم يكلف الخلق إيمانا ولا تدينا ، ولا هو بالذي يتدخل في شؤون هذا الكون بالمعجزات ولا أرسل رسلا ولا أوحى بشرائع ، والتعرف على هذا الخالق يتم بالتأمل في الكون والإستدلال العقلي عليه، فالربوبي إذن يؤمن بالخالق و ينكر وجود الأنبياء و الأديان بزعمه أن الإتصال مع الله يكون مباشرة بدون وسطاء أو وكلاء.
ظهرت الربوبية في أواخر القرن 17م خلال حقبة عصر التنوير الأوروبي كردة فعل على الطغيان الكنسي، وقد مرت الربوبية من 3 محطات أساسية، أولها نشأتها في إنجلترا على يد بعض فلاسفة الأخلاق البريطانين فحاولوا إقامة الأخلاق بطرق مختلفة على أسس عقلية وتجريبية مستقلة عن الدين، فقاموا هنا بإبتداع ما يسمى بالدين الطبيعي الذي يرتكز على العقل والتجربة ، وكان من أهم رواد هذه الحقبة الإنجليزية فلاسفة مثل : لورد هربرت شربري، وجون تولاند، ومتى تندال وقد جرت بينهم وبين القساوسة مناظرات طاحنة حول الكتاب المقدس و تحريفاته؛ ثم انتقلت الربوبية بعد ذلك إلى فرنسا عن طريق الفيلسوف التهكمي فولتير ،الذي كان يقطن بإنجلترا وتأثر بفلسفة الربوبين هناك فقام بنقل مذهبهم إلى فرنسا وإشاعته ، وقد تلقى مواجهات عنيفة وتصديا قويا من جانب الكنيسة والدولة ، وكان منتسكيو صاحب نظرية فصل السلط من رواد هذا المذهب في فرنسا ، ودافع عنه بقوة و هاجم الأسفار المقدسة التي تعرضت إلى تحريف جذري ولقد أدى النزوح الأوروبي إلى الأمريكتين إلى إنتقال الفكر الربوبي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يسمونه بالعالم الجديد الذي تحققت فيه إسهامات فلاسفة عصر التنوير ، وقد ظهر مذهب التأليه الطبيعي في أمريكا في الأغلب الأعم كردة فعل لتشدد مذهب كالفن المسيحي البروتستانتي، وفي ظل الحقبة الأمريكية تطور الفكر الربوبي على يد شخصيات مثل بنيامين فرانكلين ، و توماس جيفرسون وتشير بعض الإحصائيات المجهولة إلى بلوغ عدد الربوبين في أمريكا إلى حوالي 50000 في عام 2001م؛ لكن غالبا لا يتم التمييز في هذه الإحصائيات بين الإلحاد و الربوبية وذالك لأنها فرع من الإلحاد الجديد.
تعتبر الربوبية فلسفة عدمية عقيمة، فهي لا تعطي إجابات شافية عن الأسئلة الوجودية الكبرى الملحة لكل إنسان على وجه الأرض، وقد رد القرآن الكريم على القائلين بمثل هذه المقالة (عبثية الخلق) في قوله تعالى:â أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَá ، فالربوبية تقر العبثية والعشوائية و تجعل ذلك من أصولها ، لأن الإنسان في ظل هذا التصور العقدي كالأنعام خلقه الله ثم تركه في دورته الحيوانية دون تكليف ولا إستخلاف في الحياة ولا حساب وعقاب بعد الممات.
والفكر الربوبي ليس وليد التنوير الأوروربي كما قد يتصور البعض، فقد كان له حضور قبل ذلك في السياق الإسلامي وخصوصا في القرنين 2و3 الهجريين خلال العصر العباسي على يد بعض الزنادقة كابن المقفع صاحب كليلة ودمنة، وابن الراوندي الذي كان معتزليا فألحد، وإذا رجعنا قليلا نجد أن كفار قريش كانوا ربوبين إذ كانوا ينكرون النبوة، و الوحي، و الألوهية ، ويقرون بالربوبية لله عزوجل وإذا ألقينا نظرة في مرحلة قبل الميلاد سنجد البراهمة هم أول من إخترع هذه الشبهات وزعمهم أن العلاقة مع الله تكون بدون رسول ولا نبي، فالربوبية إذن هي فلسفة قديمة ذات نسخ متعددة و متنوعة حتى تطورت إلى صيغتها المادية مع طغيان النزعة العلموية في عصرنا الحاضر، وقد اتخذت ذلك سندا لها في هدم الدين ، وعدم التمييز بين الصحيح والسقيم فالفكر الربوبي نسخة كربونية من الوثنيات الموغلة في القدم كالبرهمية ، و صنف من الدهريين ، و مشركي العرب الذي جاء الإسلام ثورة على جاهليتهم وضلالهم ، فهناك تشابه كبير بين معتقدات هذه المذاهب وذلك أن الإقرار بالخالق دون عبادته، والتوكل عليه، و الإستعانة به هو إنتحار للعقل ، وإنخرام للمنطق ، ومن ثم فالفكر الربوبي لا يكتفي بالعقل وحده كمصدر من مصادر المعرفة ، بل يضيفون لذلك الحس و الرؤية العملية فهم كما قال اليهود لموسى عليه السلام:âلَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً á، فهم يزنون الغيبيات بميزان الحسيات ، و يقيسون عالم الغيب بمقاييس عالم الشهادة ،وهذا يعلم بطلانه كل ذي لب فهم كمن يزن الذهب بميزان الخضراوت.
يتضح لنا من خلال ما سلف ذكره أن الربوبية كمذهب إلحادي قديم جديد ، هو إعوجاج عن الصراط المستقيم، وهو أيضا بمثابة جاهلية معاصرة تدعوا إلى إقصاء تام للجانب الروحي من حياة الإنسان ، وهو ما يحدث جملة من الإضطرابات النفسية، لأن الإنسان في هذا المنظور يفتقد الوجهة و يسير نحو المجهول، فهو إذن طريق مختصر نحو التعاسة الدنيوية و الآخروية، لأن مبادئ الربوبية تتنافى مع الفطرة السليمة و المعقول الصحيح ولذلك نجد أن نسبة كبيرة من المنتحرين هم من أنصار الإلحاد عامة و المذهب الربوبي على وجه الخصوص.
المراجع المعتمدة في المقال:
التعليقات
من المستحسن لو استبدلت مفهوم العلموية بالعالماوية حتى تكون دقيقا . فأصل المصطلح (العالمانية )وليس العلمانية بكسر العين وطبعا يمكنك التأكد من أصل المصطلح .