القياس الواسع عند حسن الترابي
القياس السليم عنده هو أن يُرَكِّبَ الفقيه مغزى اتجاهات سيرة الشريعة الأولى، المتمثلة في النصوص الخالدة، ويحاولَ في ضوء هذه الكليات توجيه الحياة الحاضرة، مع تجريدها عن وقائع الأعيان..
اختيار المواضيع
القياس السليم عنده هو أن يُرَكِّبَ الفقيه مغزى اتجاهات سيرة الشريعة الأولى، المتمثلة في النصوص الخالدة، ويحاولَ في ضوء هذه الكليات توجيه الحياة الحاضرة، مع تجريدها عن وقائع الأعيان..
هذه بذرة مشروع في تدبير الاختلاف، بذرة مشروع حري بالدراسة والنظر والتأمل والتدبر؛ لأن القرآن الكريم وضع أسس التعامل مع المخالفين كيفما كانوا: سواء من داخل البيت المسلم أو من خارجه..
تعتبر الربوبية فلسفة عدمية عقيمة، فهي لا تعطي إجابات شافية عن الأسئلة الوجودية الكبرى الملحة لكل إنسان على وجه الأرض، وقد رد القرآن الكريم على القائلين بمثل هذه المقالة (عبثية الخلق)..
الانطلاق من القرآن بتجرد عن كل ما يشوش نظرتنا وجعله منهجاً لتفسير وتوجيه معتقداتنا وسلوكاتنا هو أفضل منهج لفهم الدين فهما صحيحا، وأفضل وسيلة لتعزيز وحدة اﻷمة ونبذ فرقتها.
إنّ قضيّة الإيمان أو الإلحاد، والالتزام بمقتضياتهما في الفكر والسلوك، تستحق من العاقل ألا يتعامل معها بسذاجة لا مبالية وسطحيّة عابرة..
نحن اليوم أمام وثنية جديدة اسمها العلم التجريبي، أنبياؤها هم علماء البيولوجيا والطب والفلك والفيزياء الذين يتبنَّون المنهج العلموي..
إن الكلام عن مصاحف الصحابة في مقابل مصحف عثمان مجرد مغالطة اعتمدها المستشرقون للتشكيك في صحة القرآن..
لا ينقص من قدْرك أو قيمة فكرتك أو مشروعك العلمي أو الدعوي إن تولى غيرك مهمة التنزيل والتوقيع ..
الحياة تتكامل بجميع أجزائها لا بمفرداتها، كقطع فسيفساء تعضد بعضها بعضا لتشكل لوحة ذات منظر متماسك ..
أجل، ذلك التعبير اليسير الذي يظهر على مُحَيَّاك، والذي لا يتطلب منك أي مجهود، ولا يأخذ منك أكثر من ثانيتين، ولا تنفق عليه أي شيء، هو في ديننا الحنيف صدقة !
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
كثيرا ما دعا الدكتور والمفكر حسن الترابي رحمه الله إلى تجديد الفكر الإسلامي عامة، والفقه الإسلامي خاصة، وشرَط لذلك شروطا منها تجديد أصول الفقه، وإعادة النظر في عمليات الاستنباط واعتبار الأدلة، والانتقال من النظرة الجزئية إلى النظرة الكلية التي تستنبط الفروع على ضوء الكليات لا على ضوء القيود الجزئية، وكان من بين ما دعا إليه، توسيع دائرة العمل بالقياس، وتجاوز تلك القيود الكثيرة التي سطرها الأصوليون، من أجل مواكبة المستجدات وحل المشكلات الاجتماعية -حسب اعتقاده-، أي جعل آلة الاستنباط عمليةً أكثر منها نظرية، وفي سبيل الحديث عن هذا الفرع -الإصلاحي- في منهجه، نتحدث عن بعض سياقاته وبواعثه، ولعل أبرز مؤلفاته التي جمع فيها هذه الأفكارَ كتابُه الذي عَنوَنه ب: “تجديد الفكر الإسلامي”، وقد استهلَّه في أول فصوله بإشكالٍ ومفارقة بنى عليها بقيةَ أفكار الكتاب، هذه المفارقة تتجلى في الفصل الدلالي بين مفهومَي الدين والفكر الإسلامي، معتبِرا الدينَ هَدْيا أزليّاً خالدا لا مكان فيه للتجديد، في مقابل الفكر الإسلامي الذي اعتبره قابلا للتقادم والتجديد، لكونه مجردَ تفاعل بين عقل المسلمين وأحكام الدين الخالدة.[1] كما اعتبر الفقهَ الإسلامي داخلا في مفهوم الفكر الإسلامي وليس هو عينُ الدين، وإنما هو عمل المسلمين في تفهم الدين وتفقُّهِهِ[2]، وبالتالي تشمَلُه خصائص الفكر كالتقادم وقابلية التجديد، ثم ذكر عِلَلَ الفكر الإسلامي التي حصَرها في ثلاثة:
– الأولى: كان ينبغي أن يتفاعل الفكر الإسلامي وأن يتصل بأصوله الخالدة، إلا أنه بِتقادم العهد انقطع عن هذه الأصول شيئا ما. (يقصد المقاصد والكليات الشرعية)
– الثانية: هو فكر يتأثر بالعلوم والمعارف العقلية. (يقصد به التقعيد الفقهي)
– الثالثة: هو فكر ينبغي أن يتكيف بالواقع ويتأثر به. والواقع يؤكد أن الفكر الإسلامي قد انقطع عن حياة الناس وأصبح فكرا مُجَرَّداً. (ويقصد به أن الفقه لا علاقة له بالواقع)
التجريد الأصولي وضيق الفقه:
قرَنَ الدكتور حسن الترابي العلةَ الثالثة من علل الفكر الإسلامي، -أي انقطاع الفكر الإسلامي عن المجتمع وتجرُّدِه- في معرض حديثه عن الاجتهاد الفقهي بسببٍ أساسي هو تضييق مناهج الاجتهاد، وتجريد أصول الفقه، هذا الفعل العقلي كان له أثر كبير في عرقلة الاتساع الاجتهادي، ضاربا مثالَ الإمامِ مالك وتلامذتِه، حيث اعتبرهم مُهمِلين لأصول المصالح بعد أن قرروها[3]، ومَرَدُّ ذلك عنده هو عدم اشتغال الإمام مالك وتلامذته برعاية مصالح الأمة وسياستها بالشرع، فلم يستعملوا هذه الأصول المصلحية وعطلوها بالكامل [وهو زعم لا أساس له من الصحة]، الأمر الذي خلف هُوَّةً بين التقرير الأصولي وبين التنزيل العملي، وهو عين التجريد، نفس الحال الذي كان في المدينة كان في العراق لكن بدرجة أقل، إلا ما كان من قضاء أبي يوسف وفِقهِه الذي توسع في مراعاة مصالح الناس باستعمال العقل والقياس والاستحسان أوسعَ مما استُعمل في المدينة[4]، لكن هذا الاتساع أتت عليه المجادلات الفقهية فأرْدَتْه في مَهدِه -بحسب تعبير الترابي-، وتراجعت حياة الازدهار التي كانت في عهد أبي حنيفة إلى أن صارت جامدةً.
الأصول الواسعة للاجتهاد:
تميز الفكر الاجتهادي للترابي رحمه الله بعناوينَ بارزةٍ منها: “الأصول الواسعة” و”القياس الواسع” و”الاستصحاب الواسع” و”الاجتهاد الحر”، واعتبر الفقهاءَ المسلمين منغلقين وضيِّقي الأفق، وبأن الحياة العامة وشؤون الاقتصاد والسياسة تدور من حولهم وهم لا يشعرون، لأنهم جامدون على قواعد مُطَّرِدة لا تتفاعل مع التغيرات الاجتماعية، وفي هذا السياق يقول رحمه الله: “إن الفقهاء ما كانوا يعالجون كثيراً من قضايا الحياة العامة، إنما كانوا يجلسون مجالس العلم المعهودة، ولذلك كانت الحياة العامة تدور بعيداً عنهم ولا يأتيهم إلا المستفتون من أصحاب الشأن الخاص في الحياة… والنمط الأشهر في فقه الفقهاء والمجتهدين كان فقه فتاوى فرعية…، فالفتاوى المتاحة تهدي عادةً الفردَ كيف يبيع ويشتري، أما قضايا السياسة الشرعية الكلية وكيف تدار حياة المجتمع بأسره إنتاجاً وتوزيعاً، استيراداً وتصديراً، علاجاً لغلاء المعيشة أو خفضاً لتكاليفها، هذه مسائل لم يُعنَ بها أولياء الأمور، ولم يسائِلوا عنها الفقهاء ليبسطوا فيها الفقه اللازم.”
ولذلك كان لزاما علينا تطوير مناهج التفكير وأساليب الحسم في القضايا الكبرى، لا أن نكتفيَ بالقرارات الجزئية كما كانت عليه حالُ الفتوى في القديم، وذلك لا يتأتى بالاقتصار على الرجوع إلى قواعد التفسير الأصولية، لأنها حسب تعبيره لا تشفي إلا قليلا، ولذلك يلزمنا أن نطور طرائق الفقه الاجتهادي، التي يتسع فيها النظر إلى النص المحدود، ولمّا كان النص محدودا، فإن توسيع الاستنباط لا يكون إلا بالقياس، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: “كل ما نزل بمسلم ففيه حكم لازم، أو على سبيلِ الحق فيه دلالةٌ موجودة، وعليه إذا كان فيه بعينه حُكمٌ وجَب اتباعُه، وإذا لم يكن فيه بعينه طُلب الدلالةُ على سبيل الحق فيه بالاجتهاد، والاجتهادُ القياسُ.”[5]، ولما كان القياس بهذه المكانة فإنه يجب أن يكون قنطرة إلى التوسع في الفقه لا أن يكون هو أيضا محل التضييق، وفي هذا المعنى يقول الترابي: “وإذا لجأنا إلى القياس لتعدية النصوص، وتوسيع مداها فما ينبغي أن يكون ذلك هو القياس بمعاييره التقليدية. فالقياس التقليدي، أغلبه لا يستوعب حاجتنا بما غَشِيَه من التضييق، انفعالا بمعايير المنطق الصوري التي وردت على المسلمين مع الغزو الثقافي الأول الذي تأثر به المسلمون تأثرا لا يضارعه إلا تأثرنا اليوم بأنماط الفكر الغربي.”[6].
القياس المحدود والقياس الواسع:
القياس المحدود عند الترابي هو قياس الفقهاء الخاضع للشروط الكثيرة التي تحيط بأركانه الأربعة (الأصل والفرع والعلة والحكم)، وهذا القياس الذي هو إلحاق حكمِ أصلٍ بفرع، بجامع العلة المنضبِطة، اعتبره الترابي قياسا ذا نمطٍ متحفظ، يقتصر على قياس حادثة محدودة على سابقة محدودة ومعيَّنة، ثبت فيها حكم بنص شرعي، فيُضافُ الحكمُ إلى الحادثة المستجدة،[7] وهذا القياس ذو الصبغة اليونانية جاء في سياقات الولع بالتقعيد الفني الذي غشِيَ الفقهاء، الأمر الذي يوجِب علينا إعادة النظر فيه، لتخليصه مما شابَهُ، ولنَفسَح للقائِس مجالا أوسعَ مما تتيحه له كتب الأصول. وبالتالي فإن “القياس التقليدي لا يستوعب حاجاتنا بما غشيَه من التضييق انفعالاً بمعايير المنطق الصوري، ومن ثَمَّ فلا بد من توسيع القياس، وذلك باللجوء إلى ما سماه القياس الفطري الحر من تلك الشرائط المعقدة التي وضعها له الإغريق واقتبسها الفقهاء، ويقصد بالقياس الفطري الحر الموسع ذلك القياس الذي يتتبع طائفة من النصوص ويستنبط من جملتها مقصداً معيناً من مقاصد الدين ومصلحة من مصالحه[8].
وفي مقابل هذا القياس المحدود والمشروط، نجد نوعا آخر من القياس، سماه القياسَ الواسع، “وهو أن نتسع في القياس على الجزئيات، لنعتبر الطائفة من النصوص، ونستنبط من جملتها مقصدا معينا من مقاصد الدين، أو مصلحة معيّنة من مصالحه، ثم نتوخى المقصد حيثما كان في الظروف والحادثات الجديدة”[9] وهذا النمط من الحكم الفقهي هو الذي دعا إلى تفعيله الترابي رحمه الله ويرى أنه هو الذي كان ينتهجه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأنه فقه مصالح واسعة، لا فقه قضايا محدودة، واجتهادات مقيَّدة.
إن الصورة الإجمالية لموقف الترابي من القياس هو أنه يرفض ذلك التسلسل الجزئي، بإلحاق الفروع بالفروع، وتكييف الواقعات الجزئية تكييفا تفصيليا، فيُحكَم على الواقعة قياسا على ما يشابهها مما قد سلف، لأن هذه الفروع هي مجرَّدُ كسبٍ اجتهادي بشري لا حظَّ له من الخلود إلا بقدر إصابته لعين الحق[10]، بل القياس السليم عنده هو أن يُرَكِّبَ الفقيه مغزى اتجاهات سيرة الشريعة الأولى، المتمثلة في النصوص الخالدة، ويحاولَ في ضوء هذه الكليات توجيه الحياة الحاضرة،[11]، مع تجريدها عن وقائع الأعيان، حتى لا نقع في تَكرار الأحكام رغم اختلاف ظروف وقوع الواقعات، وبهذا التصور لمصالح الدين نهتدي إلى تنظيم حياتنا بما يوافق الدين، بل يتاح لنا -ملتزمين بتلك المقاصد- أن نوسع صور التدين أضعافا مضاعفة. وقد سماه في موضع آخر بقياس المصالح المرسلة، واصفا إياه بالدرجةِ الأرقى في البحث عن جوهر مناطات الأحكام[12]. وبهذا تكون القواعد الأصولية الجديدة متماشية مع جوانب الحياة العامة التي أصبحت الحاجة فيها للاجتهاد واسعة جداً، وهذا ما يتطلب تطويراً للقواعد الأصولية حتى تستجيب لمتطلبات الحياة العامة الجديدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والدولية وغيرها، ومن ثَمَّ ضرورة التواضع على منهج أصولي ونظام يضبط تفكيرنا الإسلامي[13].
نقد موقف الترابي:
مما يؤخذ على الدكتور الترابي هو إكثاره من التسفيه المبالغ فيه الذي يصف به الفقه والتراث الإسلاميَّيْن، حيث إنه كثيرا ما يردد عبارة: “الأنابيش” قاصدا بها التراث الفقهي، وهي كلمة كما يظهر منها تحمل وصفا قدحيا لا مدحِيّاً، تُصوّر التراث الفقهي كما لو أنه كان مطمورا في غياهب التأريخ ورفوف النسيان، إضافة إلى عبارات: “نظام الإسلام التقليدي”، “علم الأصول التقليدي”، الفقه التقليدي”، “القياس التقليدي”، وغيرها، مما يوهم القارئ بأن الفقه الإسلامي والعلوم الإسلامية هي شيء من التقاليد والعادات، وأنها ليست دينا مستنِدا إلى أدلة ومبنيا على أصول شرعية مستقراة من نصوصه القطعية.”[14]، بل إنه يصف عصر الصحابة بأنه عصر طغيان الفرد وعصبيات الفكر، وذلك ظاهر جلي في قوله: “إن الصحابة عاشوا عهدا للبشرية تضعف فيه وسائل الاتصال المادية بين الناس، ويسود فيه طغيان الفرد وعصبيات الفكر.”[15]
إن المقارِن لتنظير الترابي الأصولي بفروعه الفقهية التي تعد ثمرة هذا التنظير، ليجد أمورا متناقضة مع ما أنتجه فقه الفقهاء الذين انتقدهم، ومن بين فتاواه التي طبَّق فيها القياس وِفق مفهومه الذي ذكرنا آنفا، والتي استقرأ فيها أصلا ومقصدا ثم قاس على ضوئها، أنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم زار بعض النساء لا لأزواجهن وإنما لذواتهن ولِما لهن من الفضل، ثم استدل بهذا المقصد العام الذي هو الذهاب لابتغاء العلم أو لإبراز الفضل للمرء ذكرا كان أو أنثى على أن المرأة سوِيَّةُ الرجل، وساق هذا الاستدلال ليُبيح اصطفاف المرأة مع الرجل في الصلاة خاصة إذا كانت تقية، فلا حرج حينها في ذلك[16]، ولا يخفى عليكم مدى الَّلاتَلازُم بين دليله ومدلوله، بل وإن خرَّجَه على مقصد، فإنه يخالف أصولا ومقاصد أخرى للشرع، كسد الذرائع.
ومن بين فتاواه أيضا التي تضرب في عُرى الحياء ما استنبطه من الآية التي يأمر الله تعالى فيها النساءَ بالحجاب، {وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَـٰتِ یَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِنَّ وَیَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا یُبۡدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡیَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُیُوبِهِنَّۖ }[سورة النور: 31] فقال بأن الواجب هو أن تستر المرأة صدرها فقط، أما الرأس والشعر فغير داخلَين في الأمر بالستر، وقال بأن الحجابَ الحالي لا أصل له في الدين، وإنما المقصود هو الحجاب الذي تتخذه أمهات المؤمنين للتستر عن ضيوف الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو القماش الذي يحجبهن في زاوية الحجرة.!
ولعل المثالين السابقين لتطبيق عملية القياس التي دعا إليها الترابي كافِيان لإبراز الخلل المنهجي في توسيع الاجتهاد وتحريره من ضوابط التقعيد، كما نخلص إلى أن ثمار هذا المنهج التجديدي لم يكن موفقا كثيرا، بل كثيرا ما وقع في التعارض، وهذا التعارض جلي في المقدمات وفي النتائج التي مثَّلنا بها، أما المقدمات، فيظهر التناقض بين المَزعم والحقيقة، ففي اعتراضه على الزعم الذي زعمه الدكتور الترابي في كون الفقهاء كانوا معزولين عن الواقع، يطرح عليه الدكتور المحدث محمود الطحان أسئلة استنكارية قائلا: ” ألم يسمع الترابي بحادثة فتوى الإمام مالك رحمه الله تعالى حينما أفتى بأن طلاق المُكرَه لا يقع، وذلك عندما بلغه أنَّ أبا جعفر المنصور كان يحمل الناس عند مبايعته بالخلافة على الحِلف بالطلاق ثلاثا بأنهم لا يرجعون عن بيعتِهم إياه، وأن الإمام مالكاً ضُرب حتى خُلِع كتفه بسبب هذه الفتوى؟ ألم يسمع بقصة حبس المعتصم للإمام أحمد وضربه حتى يُغمى عليه، لأنه ما كان يقول بخلق القرآن؟ ألم يسمع بضرب ابن هُبَيْرة للإمام أبي حنيفة بأمرٍ من أبي جعفر المنصور لأنه أبى أن يتقلد القضاء من خليفة يرى أبو حنيفة أن مبايعته بالخلافة فيها شيء؟ ألم يقرأ كتاب الأم للشافعي الذي لم يترك مجالا من مجالات الحياة إلا طرَقَه وتكلم فيه، ولم يقتصر على بحث الشعائر والزواج والطلاق والآداب؟ ألم يقرأ كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف الذي بيّن فيه كيف تسير الأمور المالية في الدولة؟ [17] أليس هؤلاء مَن سطر القواعد الأصولية وأفتى بها؟ فما وزن قوله الذي قال فيه: “لابد أن نقف وقفة مع علم الأصول تصله بواقع الحياة، لأن قضايا الأصول في أدبنا الفقهي أصبحَت تؤخذ تجريدا، حتى غدت مَقُولات نظرية عقيمة لا تكاد تلد فقها البتة، بل تُوَلِّد جدلا لا يتناهى.”[18]
ونختم بسؤال أخير: هو هل فعلا أن فتح أبواب الاجتهاد لكل أحد بشروط يسيرة هو الكفيل بتوحيد الأمة، أم أن هذا تكثير للاختلاف بكثرة المجتهدين؟
جواب هذا السؤال واعتبار مآلاته هو الكفيل بتحديد مدى صواب الرؤية الجديدة للترابي رحمه الله في باب الاجتهاد.
والله تعالى أجل وأعلم.
[1] نحو تجديد الفكر الإسلامي، حسن الترابي، دار القرافي للنشر والتوزيع – المغرب، : 4
[2] نفسه، ص: 18
[3] المرجع السابق، ص: 39
[4] المرجع السابق.
[5] الرسالة، لمحمد بن إدريس الشافعي، تحقيق أحمد شاكر، ط. دار ابن الجوزي، ص: 371
[6] نحو تجديد الفكر الإسلامي، ص: 41
[7] نحو تجديد الفكر الإسلامي، ص: 41
[8] تجديد علم أصول الفقه، حسن الترابي، ص: 24
[9] نحو تجديد الفكر الإسلامي، ص: 42
[10] من مقال له نُشر على موقع مجلة المسلم المعاصر هذا رابطه: https://bit.ly/2UThVgh
[11]نحو تجديد الفكر الإسلامي، ص: 42
[12] نفسه ونفس الصفحة.
[13] تطور علم أصول الفقه وتجدده، عبد السلام بلاجي، ص: 262
[14] الموقف المعاصر من المنهج السلفي في البلاد العربية، د. مفرِّح بن سليمان القوسي، ط. دار الفضيلة، ص: 228
[15] تجديد الفكر الإسلامي، المنشور ضمن مجموعة كتب للترابي بعنوان (قضايا التجديد الإسلامي – نحو منهج أصولي) ص: 83، نقلا عن كتاب الموقف المعاصر من المنهج السلفي في البلاد العربية، ص: 287
[16] يُسمع قولُه من هذا المقطع الذي رابطُه: https://youtu.be/4TUQsvjF-ks
[17] مفهوم التجديد بين السنة النبوية وأدعياء التجديد المعاصرين، د. محمود الطحان، ص: 33-34
[18] تجديد أصول الفقه، ص: 6
التعليقات
مسألة محاذة القدم بين النساء والرجال لم يقل بها الترابي وإنما تحدث عن امامة المرأة للرجال وهذه المسألة تطارحتها كتب الفقه فتجدها مثلا عند الحنابلة ونقلها بعض ائمة مثل الامام ابن تيمة وابن القيم ، وأم الحجاب فتحدث عن مدلول هذا اللفظ لغويا داخل النص القرآني ليس أكثر ففرق بين الحجاب والخمار لغويا ليس إلا ولك أن تراجع رسالته الموسومة بالمرأة بين التقاليد